عدد الرسائل : 814 العمر : 42 طفشانة تاريخ التسجيل : 05/02/2009 نقاط : 613
موضوع: وسقط الجليد الثلاثاء 31 مارس 2009 - 3:45
أغلقت باب غرفتها بإحكام...أدارت المفتاح فيه ببطئ وبعيون باردة مملؤة بالدموع اتجهت صوب خزانة ملابسها... بتثاقل أخرجت ما يلزمها...هالة من الشرود والصمت تمتطى محياها...وصورة مشوهة تطارد خيالها...يبدو الجو خريفياً فيه عواصف مزعجة ...انتبهت لذلك بتحامل أكثر جرت قدميها ... و أوسدت أبواب نافذتها استغلت ما تبقى فيها من قوة واهنة.. واستبدلت ملابسها ..كان باب خزانتها لا يزال مفتوحاً.. نظرت إليه وفى رأسها فكرة التخلص من إغلاقه لتذهب هناك ..حيث سرير تلملم فيه بقايا أجزاء لذاتها تشعر بالألم والبرد.. أدارت رأسها... وقعت عيناها على علبة قطيفة مخملية باللون الأحمر ممزوجة بإطار ذهبي.. أخرجتها من مكانها ..ثورة من المشاعر تحتلها .. وجنون من عينيها يذرف بقوة.. ارتجفت أناملها... خذلت أطرافها لتلقى بها أرضاً ... بكت كطائر نورس مذبوح ...كان يطير بفرح فوق البحر.. جاء الشتاء ..أخذته الريح ...جلدته قطع الثلج... طالته أيدي الصيادين ... ذبح بسكين بارد قامت من ثورتها ..تضع العلبة بين يديها.. ها هي تصل السرير... تجتاحها نوبة أخرى من البكاء المر... تداهمها الصورة المشوهة مرة أخرى ... تعصف بكل كيانها ... تجردها من جميع ما تملك ... تفتح العلبة ... تتأمل تلك القطع الجميلة التي فيها تتلمسها بأنامل حانية ... تنفجر براكين ذكرى داخلها... ها هي الآن تدمج تلك الصورة المشوهة بما تلمسه داخل العلبة... ترتسم ملامحه الآن بعمق داخلها ... تتذكر كيف أهدى لها هذه العلبة وما فيها من أشياء كل قطعة كانت بمناسبة ... شريط الذكريات يدور في ذهنها الآن ... هذه كانت يوم ميلادها ... هذه كانت يوم زفافها... أما هذه فكانت يوم الحب ... كان يقولها دوماً وعند كل مناسبة... - ماذا سترتدين الليلة؟ - جهزي نفسك ... فسأحتفل بك لوحدنا على طريقتي الخاصة - كوني رائعة كما عهدتك - أشعلي شموعاً - ضعي موسيقانا الهادئة التي نعشق - آه.. لا تنسي أنني سأراقصك هذه الليلة يا الله كم كان رائعاً ..حدثت نفسها ثم استسلمت لنحيب أذاب ما تبقى من صبرها... لتشرد منه إلى تلك الصورة المشوهة..حين ذهبت هذا الصباح لتفاجئه أنها أخذت أجازة من العمل ... لتكون على أهبة الاستعداد لحفل الليلة ... دقت باب مكتبه الخاص.. ودخلت مداهمة له والفرح يعتلي خطواتها برشاقة...كانت هناك في أحضانه غارقة ..طويلة .. نحيلة .. شقراء ..جميلة .. كانت سكرتيرته الخاصة ... تملص منها بسرعة ... وأخذ يرتب هندامه ..بقلق وتوتر.. انتفضت هي من مكانها... اعتلى وجهها اللون الأحمر.. وساد الصمت.. لم يكن ما هو أبلغ..ماذا ستقول؟ أي جليد هذا الذي سقط عليها.. ماذا عساها أن تفعل؟ غير عيون حادة تنظر باستنكار .. باستعظام للأمر..لاتدرى ..ذهول في عيونها حائر ... أيبكى ؟.. أيصرخ؟.. أينتفض ويحقر؟.. أم يتحاشى النظر قلب ينزف تحت دومات كثيرة.. رأسها تدور ؛ تدور... لا تدرى أين هي ؟ أتوقف قلبها وماتت وهى الآن خارج الحياة؟ ما هذا إنها لا تشعر بشئ ... برودة في أطرافها يحيط بها سواد يشبه سواد شعرها ... بعد وقت أحست بأناس يلبسون الأبيض يتحوطونها ... يحاولون أن ينشلونها من غيبوبة لا تدري عنها ولا تدري كم استغرقت... شريط من الذكريات يعود الآن.. الصورة المشوهة ترتسم من جديد .. تفيق على صدمة من صوت عال لها يخرج منتزعاً صمتاً من داخلها... تتضح الرؤية ... يحاول هذا الظهور ... يقف هناك بعيون تعتذر ... تعترف بالخطيئة.. تطلب الغفران قلب دمر قبل وقت من هذه اللحظة يستنكر... يكره ... يجبر اللسان بتمرد على النطق... إنها الخيانة وهل تغتفر؟... تجر أذيال خيبتها... رافضة مساعدة يده باحتقار.. تسير مرتكزةعلى جدران المشفى... تصل الشارع ... تلتحق بسيارة ... تصل البيت.. باهتة.. لا يسكنها إلا الذهول.. تنظر إلى نفسها في المرآة الآن... تحاول أن تجد عيباً في وجهها ... في قوامها ... في خصلات شعرها... تتحسس قلبها...هل كان لا يعطى دفئاً ؟ لا يعطى حناناً ؟ لا يغدق حباً ؟ هل روحها كانت ثقيلة كالجبال ؟أم انها كانت طائراً رائعاً يطير برشاقة ؟ أم ماذا ؟! أسئلة كثيرة ترددت داخلها... حتى وإن كانت كذلك أجابت نفسها... لما لم يخبرها؟.. لما لم يتركها؟.. لما الخيانة؟.. وهل هناك مبرر للخيانة ؟ الساعة تدق الثانية عشر في منتصف الليل ... موعد الاحتفال ضحكةهستيرية .. ودموع نازفة معها أطلقتها فلقد توقفت الساعات... وذهبت تواريخ الذكريات ... وسقط الجليد على كل شئ منقولة