[size=24]كمبردج (ولاية ماساشوستس الاميركية): «الشرق الاوسط»
حينما نالت أول دعامة شريانية مغلفة بالدواء موافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية عام 2003، وُصف الأمر بأنه ثورة في معالجة ترسبات الكوليسترول في الشرايين. ومثلت هذه الدعامات المعدنية، التي تكون على هيئة قفص يفرز دواء، حلا لمشكلة طالما ارتبطت باستخدام دعامات معدنية عارية، وهي عودة تكون الضيق في الشريان بطريقة محيرة ومنغصة. لكن التوسع في استخدامها يُظهر بأنها قد تسبب مشاكل أخرى مرتبطة بها ذاتها. وأحد ما يسترعي الانتباه هو تكون علقة من التخثر الدموي بداخلها في غضون بضعة أشهر من زراعتها و تثبيتها داخل الشريان. وهو ما يحصل بشكل مفاجئ، ويُؤدي الى سد كامل لجريان الدم من خلالها في الشريان التاجي، الأمر الذي تنجم عنه غالباً نوبة قلبية أو سكتة قلبية مفاجئة.
وهذه المشكلة، التي تُدعى «خثر الدعامة المتأخر»، هي غير شائعة. إذْ أنها تُصيب 3 أشخاص فقط من بين 100 شخص، يتم وضع الدعامة المغلفة بالدواء هذه في أحد شرايينهم القلبية، وأحياناً حتى بعد عام أو عامين. وتناول الأسبرين ودواء كلوبوديغريل (بلافكس) بأمانة والتزام، هو مفتاح استراتيجية إبقاء هذه المشكلة بعيداً. لكن السؤال: ما الذي سيحصل لو كنتَ ممن لا يحرصون ويُخلصون في تناول أدويتهم، أو (كنتَ) في أوضاع خارج السيطرة، مثلا، حينما تتطلب حالة المرء إجراء عملية جراحية، أو لدى وجود مشكلة في المعدة، حيث يكون من الصعب وربما من المستحيل تناول هذه الأدوية؟ وأيضاً، كم هي المدة التي يجب تناولهما فيها بعد تركيب الدعامة؟ واخيرا، إذا كنت ممن لم تُوضع لهم مثل هذه الدعامة، ولكن دعت الضرورة الى وضع إحداها يوماً ما في شرايين قلبك، هل يجب أن تكون من نوع الدعامة العارية غير المغلفة بالدواء؟
* تطور الدعامات
* هذه الأسئلة تُمثل بدايات «الجولة الرابعة» من مراحل التطور في الطرق الموصوفة بالتدخل المحدود لمحاولة فتح شريان تاجي، يُغذي عضلة القلب، حينما يكون إما مسدوداً أو في مجراه ضيق.
الجولة الأولى كانت قد بدأت في السبعينات، من خلال بدء استخدام بالون لفتح الشرايين التي ترسب الكوليسترول في جدرانها. وهي العملية التي تتيح تحقيق إعادة جريان الدم بشكل طبيعي فيها. ومع هذا فإن شد البالون لجدار الشريان يؤدي، لدى كثير من الناس، الى تراجع في توسع الشريان وانكماشه بشكل سريع الى الحجم والشكل الذي كان عليه قبل التوسيع بالبالون.
وركزت الجولة الثانية على حل هذه المشكلة. وكان الحل المثالي استخدام قفص من شبكة أسلاك معدنية يُدعى بالدعامة المعدنية لتضمن فتح الجزء من الشريان الذي تم توسيعه. وهذه القطعة، التي حجمها أصغر من أنبوب الحبر بداخل القلم الجاف، تعمل على منع تراجع الشريان وانكماشه بعد التوسيع. لكنها أيضاً تتسبب في إصابة جدار الشريان بما يفوق تأثير البالون عليه، فالجسم يتفاعل بشكل بالغ الانفعال في عملية التئام الجرح التي تتم بعد التوسيع. ويزداد نمو الخلايا المبطنة للشريان فيما حول وفوق الدعامة، مثل تراكم العسل على ثقوب الشمع، وبالتالي تغطي الطبقة الجديدة من الخلايا كامل قطع شبكة المعدن. وهو ما يبدو شيئاً جيداً كي تبدو الدعامة كجزء من الجسم، ومن ثم لا تتفاعل الصفائح الدموية والدم نفسه حينما تلامس أجزاء الدعامة.
ومع ذلك، ففي ثلث الحالات تقريباً ينمو النسيج الحي الجديد لبطانة الشريان داخل الدعامة نفسها. وهذا يُمكن أن يحد من جريان الدم كما كان يفعل السد في الشريان، وفي بعض الأحيان ربما أسوأ. والنمو هذا يُسمى بإعادة الضيق، وهي عملية بطيئة الحصول نسبياً، تأخذ عدة أشهر، وتُعلن عن نفسها عبر الشعور بألم الذبحة الصدرية أثناء ممارسة التمارين أو الجهد البدني أو التوتر النفسي.
وكان ظهور مشكلة عودة الضيق، إعلان البدء للجولة الثالثة. إذْ بعد تسديدات خاطئة ناحية المرمى، سدد الباحثون ضربة بالدعامة المغلفة بالدواء، حيث ان تغليفها بطريقة خاصة يُمكن الدعامة من أن تفرز ببطء مادة تعمل على تهدئة التفاعل في عملية التئام الجرح، ويمنع خلايا بطانة الشريان من النمو وتكاثر الانقسام. وهناك نوعان من هذه الدعامات المغلفة في الأسواق الطبية بالولايات المتحدة، نوع سايبر ونوع تكساس. وتفرز دعامة سايبر عقار سايروليمس لمدة 30 يوما، بينما تفرز دعامة تكساس عقار باكليتكسل لمدة 90 يوما.
وأظهرت نتائج الدراسات الطبية أن نسبة عودة الضيق لا تتجاوز 5%. وهو ما يُمثل فرقاً واضحاً عن نسبة 30% أو أكثر التي تحصل عند وضع الدعامات المعدنية العارية. ما يعني زيارات أقل للطبيب، وخضوع أقل لعمليات توسيع الشرايين بالقسطرة.
وبالطبع فإن ما يُمكن أن يحصل في الحياة هو أكبر اضطراباً وأكثر تعقيداً مما يحصل في الدراسات الطبية.
* مشكلة لاحقة
* الدراسات الطبية من النادر أن تكون كبيرة أو تستمر طويلاً في البحث عن مشاكل واضطرابات غير شائعة. وينطبق هذا على الدعامة المغلفة بالدواء، إذْ مع الزيادة في زراعتها لدى مجموعات أكثر وأكثر من المرضى (ففي العالم كله تجاوز العدد رقم 4 ملايين زراعة للدعامة المغلفة بالدواء، وما زال في تزايد مستمر)، فإن الأطباء بدأوا في رؤية الكثير من حالات تخثر الدم داخل الدعامة في مراحل لاحقة ومتأخرة.
وتنبع المشكلة في الأصل من الخصائص النوعية للدعامات المغلفة بالأدوية في جودة تحقيقها منع عودة الضيق، حيث انها تُهدئ الالتهاب وتمنع الخلايا المبطنة للشريان من النمو والانقسام. وهذا البطء في النمو يمنع الخلايا المبطنة من النجاح في تغليف أجزاء الدعامة المعدنية. وبعدم وجود الطبقة الواقية من طبقة الخلايا، فإن خلايا الدم الحمراء والصفائح الدموية تتفاعل مع الدعامة كتفاعلها مع أي جسم غريب عن الجسم، أي تلتصق عليها، وبالتالي تتكون علقة من تخثر الدم فيها.
ولأسباب أيضاً لا تُعلم حتى اليوم، فإن تخثر الدم يحصل بشكل مفاجئ داخل الدعامة. وحينذاك، فإن التخثر قد يُقفل مجرى الدم في جزء الشريان داخل منطقة الدعامة، ما يعني وقف تزويد جزء من عضلة القلب بالدم. وهذه هي النوبة القلبية. وأحياناً يتسبب الانسداد هذا في توقف القلب فجأة عن النبض بصفة فاعلة (سكتة قلبية مفاجئة). و70% من حالات تخثر الدم في الدعامة ينتج عنها نوبة قلبية أو سكتة قلبية مفاجئة.
* عوامل مُساهمة
* وتساهم عدة عوامل في تكوين تخثر الدم المتأخر بالدعامة، من ضمنها كون الدعامة طويلة جداً، وألا يحصل تثبيت جديد وملائم للدعامة داخل الشريان، وفرط تفاعل الحساسية للغلاف أو العقار، والتوقف عن تناول الأدوية المانعة لتكون التخثر. والعامل الأخير هو الأهم فيما يبدو، وهو أيضاً ما يُمكن للإنسان أن يتحكم فيه.
وعلى كل إنسان يتم وضع دعامة له أن يتناول الأسبرين مع عقار بلافكس. والمدة التي يجب تناولهما معا فيها تعتمد على نوعية الدعامة: ـ الدعامة المعدنية العارية لمدة شهر.
ـ دعامة سايبر (سايروليمس) لمدة ثلاثة أشهر.
ـ دعامة تكساس (باكليتكسل) لمدة ستة أشهر.
مع التنبيه بأن المدد هذه هي على أقل تقدير، هو ما كان عليه تعليق الدكتور أندرو سي إيزنهاور مدير خدمات العلاج التدخلي لطب القلب والأوعية الدموية في مستشفى بريغهام والنساء التابع لهارفارد. ولو كنت تستطيع تناولهما «طوال الحياة»، فإن ذلك ضمانة جيدة لك. ولكن تفسير معنى «طوال الحياة» بمدة سنة أو سنتين أو ثلاث، هو مما لم يتم الاتفاق عليه بعد.
وهذا العلاج الثنائي لا يخلو من متاعب تُوجب التراجع عنه، لأن احتمالات مشاكل النزيف أكبر مما هو في حال تناول الأسبرين فقط، خاصة لدى كبار السن. وهو أمر مُكلف مادياً أيضاً، حيث ثمن كمية بلافكس لشهر هو حوالي 100 دولار. ويكرهه الجراحون، لأن الناس الذين يتناولون «أسبرين» مع بالافكس ينزفون بسهولة، ويتخثر الدم لديهم ببطء، الأمر الذي قد يتعارض مع إجراء عملية جراحية من أي نوع، ويزيد من الحاجة الى نقل الدم، ويتسبب في احتمالات عالية لمضاعفات النزيف أثناء العملية الجراحية. ولهذه الأسباب فإن غالبية الجراحين يُخبرون مرضاهم التوقف عن تناول الأسبرين والبلافكس قبل بضعة أيام من إجراء العملية الجراحية. وهي مشكلة لشريان أو شريانين مما تم فتحهما باستخدام دعامات مغلفة بالدواء.
والجراحة ليست الخوف الوحيد، لأن الإصابة بنزلة البرد أو بالتسمم الغذائي أو بميكروبات في الجهاز الهضمي، كلها تجعل من الصعب الإبقاء على الطعام والأدوية بضعة أيام، مما يرفع احتمالات التعرض لخثر الدم داخل الدعامة.
*