[size=24]سؤال: هل يستفيد الإنسان الميّت من الأعمال التي يهدي الأحياء ثوابَها إليه ؟
جواب: في كثير من آيات القرآن الكريم يَقرِن الله سبحانه وتعالى الإيمانَ بالعمل الصالح، مثل: الذين آمنوا وعملوا الصالحات .. فلا يمكن الاعتماد على إيمان يخلو من العمل.
ومن فضل الله وكرمه أنّه وسّع على الإنسان فرصة الانتفاع بالعمل بعد الموت.
وهذه الأعمال التي تتحقق بعد الموت على نوعين:
الأول: أن يقوم الإنسان في إيام حياته الدنيا بعمل يظلّ من بعده، فينتفع الناس منه، كأن يترك صدقة جارية، أو علماً مفيداً للآخرين، أو ولداً صالحاً ربّاه وهذّبه فهو يدعو له. وهذه من الأعمال التي يستمرّ ثوابها وأثرها الايجابي بعد رحيل صاحبها إلى الآخرة ولا ينقطع بموت صاحبها. ومثل هذه الأعمال أيضاً: جسر يبنيه لخدمة خلق الله، ونهر يُجريه، ومدرسة يشيّدها، وطريق يعبّده، ومشروع خيري يقدّم الخدمات لعباد الله المحرومين.
في الحديث عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّه قال: (إنّ ممّا يَلحقُ المؤمنَ من عمله وحسناته بعد موته: علماً علّمه ونَشَره، وولداً صالحاً تركه، أو مصحفاً ورّثه، أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابن السبيل بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحّته وحياته تلحقه مِن بَعد موته) (1).
وعنه أيضاً صلّى الله عليه وآله: (أربعة تجري عليهم أجورهم بعد الموت: رجل مات مُرابطاً في سبيل الله، ورجل علّم علماً فأجره يجري عليه ما عُمِل به، ورجل أجرى صدقةً فأجرها له ما جَرَت، ورجل ترك ولداً صالحاً يدعو له) (2).
وقد نقل ابن قيّم الجوزيّة روايات كثيرة في كتابه (الروح) تدلّ على هذا المعنى، فقال: وذهب بعض أهل البدع من أهل الكلام أنه لا يصل إلى الميّت شيء البتّة لا بدعاء ولا بغيره. ثمّ قال: والدليل على انتفاعه بما تسبّب إليه في حياته ما رواه مسلم في صحيحه أن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلاّ مِن ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له) (3).
وفي صحيح مسلم أيضاً من حديث جرير بن عبدالله أن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: (مَن سَنّ سُنّةً حسنة عُمل بها من بعده كان له أجره ومثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً...) (4).
النوع الثاني: أن لا يكون للإنسان الميت في العمل من سعي. ويظهر من القرآن والسنّة أنّ الله تبارك وتعالى يتفضل بجوده وكرمه فيوصل إلى عبده الميت من ثواب عمل غيره إذا ناب فيه عنه.
من ذلك:
• استغفار الملائكة للمؤمنين. قال عزّوجل في سورة (المؤمن): الذينَ يحملونَ العرشَ ومَن حولَهُ يُسبِّحونَ بحمدِ ربِّهم ويؤمنونَ به ويَستغفرونَ للذينَ آمنوا: ربَّنا وَسِعتَ كلَّ شيءٍ رحمةً وعِلماً، فاغفِرْ للذينَ تابوا واتَّبعوا سبيلَك، وقِهِمْ عذابَ الجحيم (5).
• دعاء المؤمنين. نقرأ في سورة الحشر: والذين جاؤوا مِن بَعدِهم يقولون: ربَّنا اغفِرْ لنا ولإخواننا الذين سَبَقونا بالإيمان، ولا تَجعلْ في قُلوبنا غِلاًّ للذينَ آمنوا، ربَّنا إنك رؤوف رحيم (6).
أمّا الأحاديث الشريفة.. فيدلّ كثير منها على انتفاع الميت بعمل غيره. وقد تواتَر عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنه كان يزور دُفَناء بَقيع الغَرقَد ويدعو لهم، ويزور شهداء أُحد ويعمّهم بالدعاء. وقد تكرّر منه ذلك، فانّه لو لم يكونوا ينتفعون بدعائه صلّى الله عليه وآله لَما قام به.
والروايات الكثيرة تدل على انتفاع الميت بعمل غيره نيابةً عنه في مجالات شتى.
وقد توزّعت الروايات في الصحاح والمسانيد على مختلف الأبواب، كالصوم والحج والعِتق والنَّذر والتصدّق والسَّقي وقراءة القرآن. لاحظ في هذا الصدد: صحيح مسلم 155:3 ـ 156، باب قضاء الصيام عن الميت، و 73:5 و 78، كتاب النذر. كنز العمّال 15:6. جامع الأصول ج 8. التوسل والزيارة في الشريعة الاسلامية، للشيخ محمد الفقي 229.. وغيرها من المصادر.
[/size]