يحمل فصل الخريف رياح التغيير البيئي من الحر إلى البرد وهو أمر يراه الناس مرحلة انتقالية محببة لتميزها باعتدال الجو، لكن هذا الاعتدال يخفي مسببات عدة لأمراض تنفسية يمكن تجنب بعضها ويصعب الوقاية من بعضها الآخر، والمشكلة تكون عندما لا يعرف الإنسان متى يصبح عليه اللجوء للطبيب، ومتى يكون المرض عابراً عارضاً وهل من الممكن دوماً أن يطبب المصاب نفسه بنفسه؟
يقول الدكتور عبد السلام سلمان طبيب أمراض الجهاز التنفسي: من المعروف أن الجهاز المناعي للإنسان على موعد مع اختبار قوة حقيقي كل خريف، ففي هذا الفصل يتقلب الجو بشكل واضح جداً بين الليل والنهار مع فترة اعتدال بينهما قد لا تكفي دوما لتحصين الجسم من التغيير القادم إذا لم يكن الجسم مستعداً بمناعة جيدة.
وأوضح أنه كجميع أطباء الأمراض التنفسية يستقبل في الخريف أعداداً أكبر من المرضى ولاسيما الأطفال، مفسراً ذلك بهجوم الفيروسات والبكتيريا المنتشرة بكثرة في الأماكن العامة، حيث يكثر التنزه بسبب الطقس المعتدل ويبدأ الأطفال بالذهاب للمدارس والاختلاط ساعات طويلة مع أقرانهم.
وعن أمراض الخريف الشائعة، قال الدكتور سلمان إن أولها الزكام.. المرض الفيروسي الأكثر شيوعاً وهو متعدد الأشكال بتعدد وتنوع الفيروسات المسببة له، وأعراضه معروفة من احتقان الأنف والعطاس والارتفاع الطفيف في درجة الحرارة في بعض الأحيان، وعلاجه بسيط بالأدوية خافضة الحرارة والمسكنات إن لزم الأمر إضافة إلى شرب الأعشاب والزهورات الساخنة كالزنجبيل والبابونج لافتاً إلى أن الإصابة به تدوم نحو ثلاثة إلى أربعة أيام.
لا داعي للتسرع بتناول المضادات الحيوية لدى أول إحساس بالالتهاب.
وتحدث سلمان عن أهم الأمراض الخريفية وهي نزلات البرد أو الكريب الذي تبدأ الإصابة به مع حلول الفصل وتظهر أعراضه في ارتفاع درجة الحرارة واحتقان الأنف والحنجرة وأحياناً احتقان الأذنين مع شعور بالتعب وآلام في العضلات والمفاصل، مضيفاً إنها حالة تدوم أسبوعاً وتتطلب ملازمة الفراش واللجوء إلى الراحة، ولا يحتاج المريض سوى تناول مضادات الحرارة والألم، دون استعمال المضادات الحيوية. ونصح بعدم التسرع في تناول المضادات الحيوية بمجرد الإحساس بالتهاب في الحلق أو الأنف مضيفاً إن التطبيب الذاتي قد يعرض المريض لارتكاب الأخطاء.
واستدرك الدكتور سلمان بالقول: لكن بعض حالات نزلات البرد قد تسبب مضاعفات إذا طالت مدتها وخاصة عند الأشخاص ضعيفي المناعة كالعجزة ومرضى السكري والقصور الكلوي وضيق التنفس وقد تتحول من مرض ذي منشأ فيروسي إلى مرض جرثومي ومن المضاعفات المحتملة الإصابة بالتهاب الجيوب الأنفية والتهاب الأذن والتهاب القصبات الهوائية حينها يتطلب الأمر اللجوء إلى الطبيب واستعمال المضادات الحيوية وقد يحتاج المصاب إلى حقنة تحمي عادة ضعيفي المناعة من التعرض لإصابات متكررة على مدى العام.
خطورة تتفاقم مع التلوث وسوء التهوية
أما الإنفلونزا فهي الأشد وطأة وتتطور كل عام وأحدث أشكالها إنفلونزا الخنازير، وأعراضها عموماً تكون أكثر هجومية وفجائية مضيفاً.. قد يكون الشخص في حالة جيدة ثم ترتفع حرارته بشدة خلال ساعتين ويصاب بصداع شديد وآلام مبرحة في عضلات الظهر والذراعين وسعال شديد وإرهاق، ولا ينفع في هذه الحالة إلا التطعيم.
وتطرق الدكتور سلمان إلى الحمى الروماتيزمية كأحد أمراض الخريف الآخذة بالانحسار والعائدة إلى انتشار الميكروب السبحي الذي يسبب التهاباً في الحلق مع ارتفاع درجة الحرارة والتهاب المفاصل الحاد واضطراب الأعصاب والحركات اللاإرادية وأحياناً لا تظهر الأعراض إلا بعد ثلاثة أسابيع في الطفل الذي لديه الاستعداد للإصابة.
ويرجع استمرار انتشار هذا المرض لأسباب رئيسية هي سوء التهوية في البيت وانحشار المنازل مع بعضها بعضا في بقعة ضيقة وهو ما ينطبق أيضاً على صفوف الطلاب في المدارس في حال وجود عدد أكبر من الطاقة الاستيعابية للفصل ويضاف إلى هذه الأسباب الوجود لفترة طويلة بين مدخنين وسوء التغذية أو العادات الغذائية السيئة.
أما الدفتريا، فيوضح الدكتور سلمان أنها مرض بكتيري خطير ومعد يصيب عادة اللوزتين والأنف أو البشرة، وتنتشر بدورها وخصوصاً في الأماكن المزدحمة سكنياً، وأيضاً بالنسبة للأطفال غير الملقحين ضد الدفتريا ولاسيما من هم دون سن 15عاماً، وتتمثل أعراض الدفتريا في ظهور قرح في الحلق وارتفاع في درجة الحرارة وتضخم في الغدة الليمفاوية في العنق. أما بالنسبة لإصابات البشرة فتكون أكثر إيلاما إذ يحدث تضخم واحمرار في اللون.
ويضيف سليمان: إن الأعراض تظهر غالباً خلال يومين إلى أربعة أيام بعد حدوث الإصابة وتستمر لفترة ستة أيام أو أقل، ويتم العلاج بمضادات حيوية خاصة مثل البنسلين.
احتياطات وقائية: فيتامينات ورياضة بسيطة وحمام بارد
من جهتها، نصحت الدكتورة سهام عياش بالاحتياط صحياً لأمراض الخريف قبل حلول الفصل، وتضيف: لابد من الاهتمام بنمط الحياة لتقوية الجهاز المناعي، ويتضمن هذا الاهتمام انتظاماً في الغذاء والنوم وتجنب المواد الغذائية الحاوية على الكثير من فيتامين «أي» والأصباغ والمواد الحافظة لأنها ترهق الجسم وتستنفد طاقته فلا يعود قادراً على التعامل مع الطوارئ.
وأوضحت أن الأوان لم يفت للاهتمام بهذه الجوانب، وقالت: يمكن للإنسان التركيز الآن على تناول المنشطات الحيوية الطبيعية «البروبيوتيك» لا المضادات الحيوية، ومن هذه المنشطات الحيوية حامض «أوميغا 3» الذي يباع في الصيدليات ويساعد الأمعاء على الاحتفاظ بتركيبة بكتيرية متوازنة.
وتؤكد عياش أن الأمعاء هي الجزء الأهم في الجهاز المناعي للإنسان وأكثر ما يضرها اللحوم المقددة والمواد الحافظة التي تضاف للأغذية مضيفة أن الحركة الصحيحة هي بدورها عنصر وقائي وليس المعنى القيام بتمارين رياضية عنيفة بل أداء التمرينات الرياضية البسيطة والمشي في الهواء الطلق، بغض النظر عن درجات الحرارة.
ولفتت إلى ضرورة تعويد الجسم شيئاً فشيئا على البرودة خلال الصيف والخريف استعداداً للشتاء، كمواصلة الاستحمام بماء بارد كي يتعود الجسم على الشتاء المقبل وعدم المبالغة في تدفئة الأمكنة، إذ يكفي الحفاظ على درجة حرارة لا تتجاوز 21 درجة، أو 22 درجة مئوية في أقصى الأحوال خلال ساعات النهار، أما في الليل فيفضل ألا تتجاوز 18-19 درجة مئوية في الغرفة أو البيت.
وردا على سؤال حول فائدة فيتامين «سي»، قالت: هذا الفيتامين هو المكون الأساسي للمناعة من أمراض الخريف والشتاء، لكنه ينفع للوقاية لا للعلاج، وليس بالضرورة تناوله على شكل أقراص فهو موجود في العديد من الخضار والحمضيات، لكن الأقراص تلعب في هذه الحالة دور المكمل الغذائي. وبالنسبة للمدخنين أشارت إلى حاجتهم إلى فيتامين «سي» أكثر من غيرهم لتعزيز نظام مناعة أجسامهم المختلفة بعض الشيء نتيجة التدخين والضغط النفسي.