الإمبريالية Imperialismالإمبريالية هي أعلى مراحل الرأسمالية
الإمبريالية كلمة شاعت في خطاباتنا وحواراتنا اليومية ولكن دون الوقوف على المعنى الحقيقي لما لهذه الكلمة من معنى، وإذا ما نزلنا إلى الشارع لنسأل عن معنى هذه الكلمة نجد أغلبية ساحقة تجسدها بأمريكا والكيان الصهيوني مما يتيح لنا القول بانكفاء المعنى على هذين الجسدين وانعدامه خارجهما. وإذا ما لفتنا الانتباه إلى الغرب الأوربي تتم إضافته كجسد ثانوي وإن لم نلفت الانتباه بقي خارج هذا المفهوم.
ولكن الإمبريالية لا يمكن أن تتجسد في شعب بأكمله وتنتفي عن شعب بأكمله إذا لا يمكننا أن نقول بأن كل أمريكي هو إمبريالي وكل فرنسي بعيد عن الإمبريالية فهي ليست لغة يتفرد بها مجتمع ما، أو عادة من العادات والطقوس التي ينشأ عليها مجتمع ما أفراده... بل هي مفهوم وفكر يرتكز على استخدام الإمكانات وانتهاز الفرص لاستغلال الآخر من خلال استعباده وسلبه أقصى ما يمكن من حقوقه الطبيعية. وهذا ما نراه في كل مجتمع وحتى في منازلنا وفي فراشنا إذا ما نظرنا بتمعن إلى أدق تفاصيل حياتنا فإننا سنرى الإمبريالية هي ممارسة يومية نقوم بها ولا نريد التحرر منها. فإذا ما أخذنا مثلاً في زمن الإقطاعي صاحب الأرض كانت ممارسات الإقطاعي تجاه الفلاح العامل في أرض الإقطاعي تجسد الإمبريالية وبالمقابل كانت ممارسات الفلاح في منزله مع زوجته أيضاً تجسد إمبريالية الفلاح تجاه زوجته وحتى أولاده. قد يعارضني الكثيرين في ما ضربته من مثل ولكن في كثير من التفكر سنجد أن ما قلته حق لا يمكن إغفاله، حيث أن الإمبريالية قامت على انتهاز الفرصة ضمن الإمكانيات المتاحة للفرد ليسلب الآخر بعضاً من حقه لأجل زيادة رفاهه وتقوم هذه المعادلة
على التناسب الطردي فالكسب يأتي بكسب أوسع والخسارة تأتي بخسارة أشد ليزداد الأول عوماً في الغنى والرفاه ويشتد غرق الآخر في الفقر والبؤس.
الإمبريالية لم تولد في القرن التاسع عشر مع ظهور الاحتلال العسكري وبروز الفكر الاشتراكي وإنما ولادتها تأخذ عمق تاريخي منذ نشوء الحضارة الأولى محمولة بشكل عرضي عليها لتتبلور مع التقدم الحضاري للإنسانية، حيث أنها ولدت مع ولادة المجتمع المدني الأول كنتيجة عرضية للعلاقات المسيطرة على هذا المجتمع المؤدية لظهور الطبقات داخله من ملوك وعبيد وظهور هذه الطبقات هو المحرك والبلورة الأولى للإمبريالية، وتشعبت الحضارة الإنسانية وتعددت المجتمعات والولاءات الأيديولوجية لتنتقل الإمبريالية من المفهوم الضمني للمجتمع إلى المفهوم الخارجي لتسيطر على العلاقات السائدة ما بين المجتمعات بحيث تكون العلاقات السائدة هي علاقات إمبريالية مبنية على النفعية والمصلحة من الطرف الواحد باستغلال القوة والانتهازية وتحين لحظة ضعف الطرف الآخر.
والمجتمع الإمبريالي لا يعني بالضرورة إمبريالية كل أفراده أي أن كل واحد منهم يجسد الإمبريالية بل هو مشترك في الإمبريالية السائدة ضمن نهج الشريحة الأكبر من مجتمعه ليشكل أفراد هذه الشريحة الإمبريالية التي ينضح بها المجتمع الإمبريالي.
وفي وقتنا الحاضر فإن أقصى إمبريالية تتجسد في المجتمع الأمريكي ولدى دراسة شرائح هذا المجتمع سنجد أن بينهم من يحارب الفكر الإمبريالي ويحارب نهج مجتمعه ولكن سنجد أن الشريحة الأكبر من هذا المجتمع هي من مؤيدي سلوك هذا المجتمع، أيضاً لا يمكننا أن نتهم كل فرد من هذه الشريحة بالمشاركة في المشروع الإمبريالي ذلك لأن البعض منهم يشارك بشكل عفوي في تأييد هذا السلوك لبعده عن إدراك الأحداث التي تدور حوله بشكل عام واكتفائه بالمعلومات التي تصله من خلال الاحتكاك المباشر وأيضاً لوقوعه تحت سيطرة طبقة من السياسيين والرأسماليين وهي الطبقة التي تحيك المؤامرات وتسيس الشعوب من أجل الفكر الإمبريالي الذي يساعدها على الكسب السريع.
وإمبريالية المجتمع الأمريكية هرمية فهي تتشكل في الرأس من الرأسماليين المسيطرين على سياسة الدولة من أجل تسيير الدولة لمصالحهم الخاصة بما تمليه عليهم من جشع وطمع وأنانية، ويقبع هذا الرأس على طبقة من السياسيين التي تحيك المؤامرات وتغسل عقول البشر من خلال الدعاية والإعلان لأهدافهم المعلنة مسبقاً وهي خدمة مصالحهم من خلال خدمة مصالح الرأسماليين الذين يوفرون الرفاه والمال بما يكفي لسد طمع وجشع السياسيين ومن ثم تأتي القاعدة وهي عامة الشعب الذي هو أداة في يد السياسيين وبالتالي أداة الإمبريالية المستخدمة لتطبيق أهداف الطبقات الأعلى التي تؤمن له سوية حياتية أعلى.
وهنا نستطيع أن نرى العلاقات الضمني للمجتمع الأمريكي أولاً الرأسمالي المسيطر على حركة هذا المجتمع وثانياً السياسي الذي هو محرك هذا المجتمع وأخيراً الشعب وقود المحرك، وتقوم العلاقة النفعية فيما بينهم بأن الأول يحرك المجتمع لصالحه الخاص ويؤمّن الرفاه والسيطرة للثاني والثاني يحقق أهداف الأول ويؤمن مستلزمات الحياة للثالث والثالث هو أداة لتحقيق غايات الأول والثاني.
والآن ومن خلال ما تناولناه سابقاً نستطيع أن نقول أن الإمبريالية هي قصر نظر الإنسان للحاضر وللمستقبل إذ أنها تخضع الإنسان لسيطرة الآخر وتفرده في تقرير مصيره ومستلزمات حياته وتقوم على حياكة المؤامرات الدنيئة للسيطرة على الشعوب، في حين أن الحضارة الإنسانية تأخذ نهج آخر من خلال توفير أقصى الإمكانيات المتاحة لرفاه البشرية كافة ورفع السوية الحياتية للإنسان دون أي طمع أو استغلال فما تملكه الإنسانية بشكل عام يكفي ليحيي كافة البشر حياة سعيدة ومرفهة ويستطيع أن يشكل الانطلاقة الأقصى نحو المستقبل آمن لكل البشرية.
if (window.showTocToggle) { var tocShowText = "إظهار"; var tocHideText = "إخفاء"; showTocToggle(); }
الإمبريالية بين الماضي و الحاضر
بقدر ما تزداد أهمية الإمبريالية يقل الكلام عنها وتقل الكتابات عنها او بكل بساطة تندر الإشارة إليها . وتروج جملة كاملة من الأفكار المبهمة وعديمة الشكل : العولمة والليبرالية الجديدة و" الفكر الوحيد" . إن الإمبريالية هي السيطرة والتحكم والتملك والاستغلال الدي تمارسه الطبقات السائدة في دولة-أمة على أمة أخرى وعلى مواردها وسوقها وسكانها . وحاليا وعلى نطاق غير مسبوق تتحكم البنوك والشركات متعدد الجنسية والمؤسسات المالية لأوربا والولايات المتحدة الأمريكية في الغالبية العظمى من أهم المنظمات الاقتصادية التي تنتج وتستثمر وتتاجر وتروج الرساميل والسلع. وليست هده الأخيرة شركات دون دول اد توجد الشركة الأم في أوربا او الولايات المتحدة الأمريكية . وهده الدول تتفاوض وتناور وتضغط وتثير الحروب وتخلق الفرص وتشتري المنافسين وتطيح كل العقبات أمام توسعها الاقتصادي وتقضي على خصومها الفعليين او الوهميين.
وتشهر الحكومات الإمبريالية التهديد النووي وتستعمل أسلحة التكنولوجيا المتطورة لتدمير خصومها . ويقوم مفاوضوها التجاريون بإلغاء كل تقليص للمنافسة ويبررون الحواجز التجارية لمنشأتهم الخاصة . وتتمثل الوظيفة الأساسية للدولة الإمبريالية في السيطرة بكيفية تسمح بازدهار شركاتها متعددة الجنسية . وقد أصبحت الإمبريالية اكثر قوة وتوسعا مع تطور رأسماليين عالميين. حيث أصبحت الدولة الإمبريالية تستخدم مزيدا من الموظفين لفتح الأسواق ولجمع مبالغ طائلة ولتمويل زبائنها من الأنظمة التي تعاني أزمة مالية وتبعث افضل خبرائها البنكيين للتفاوض حول الديون وتتم زيادة الأموال المرصودة لهم لتحسين قدراتها العسكرية والتجسسية ولتدمير أعدائها و إضعاف منافسيها . . وتقدم الدولة الإمبريالية مساعدات لجيش صغير من الايديولوجيين ( المفكرين) التي لا ولاء وطني لهم . وترتكز هيمنة الدولة الإمبريالية على إنكار سلطتها لاجل توسيعها وتعميقها .
لغة الإمبريالية
خلال المرحلة السابقة للثورة البلشفية عام 1917 كان الإمبريالية تعني نظاما أوربيا -أمريكيا للسيطرة الاستعمارية على أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية . اذ تعاونت الدول الاستعمارية والرأسمال ألأوربي-الأمريكي والياباني لاجتياح الأراضي والشعوب . وقبلت البلدان المسيطرة نعتها بالقوى الإمبريالية علامة على هيبتها كقوة عظمى . وبعد الثورات الشيوعية وظهور حركات التحرر الوطني واختفاء القوى الإمبريالية الفاشية فقدت تسمية الإمبريالية هيبتها . وظلت مرتبطة بالنهب والسيطرة. ومراعاة للحساسيات الديمقراطية بالغرب ولتمردات العالم الثالث اتخذت الممارسة الإمبريالية لنفسها قناعا وظهرت لغة جديدة :"أنظمة ما بعد الاستعمار " و" البلدان السائرة في طريق النمو " و"البلدان المتطورة " . لقد استمر واقع الإمبريالية لكنه اصبح مطموسا اكثر .
يقلد الاستعمال الحالي للتدخلات العسكرية الإمبريالية نظيره في الماضي .وخلال المرحلة الاستعمارية كان الاحتلال الأوربي الأمريكي ونهب القارات مبررا باسم الحضارة الغربية . اما الآن فانه يتم ربط الحروب العدوانية والاحتلال العسكري بمهمات إنسانية . . في الماضي كانت الأسطورة الإمبريالية هي اكتشاف" بلاد جديدة " اما الآن فإنها أسطورة " الاجتياح باستدعاء من المجتاح". وفي الماضي كان المغامرون والموظفون التجاريون يرشون ويستقطبون زعماء محليين وقادة قبليين ليخونوا شعوبهم ويتعاونوا مع الإمبراطورية .اما حاليا فان مصالح الاستخبارات (الجواسيس) تشارك في عمليات سرية بهدف تدريب جيوش من المرتزقة وخلق حكومات في المنفى واعداد بيانات تؤكد حقها في تقرير المصير . ان ما يعتبره مفكرو الإمبريالية حقا شرعيا في تقرير المصير القومي هو تقسيم الأمم وخلق أنظمة زبونة صغيرة تابعة للإمبراطورية .
في الماضي شارك رجال الدين والسلطات الاستعمارية في الشحن العقائدي للشعوب المغلوبة على أمرها . اما حاليا فان وسائل الاتصال الجماهيري ونظام التعليم العالي والمنظمات غير الحكومية التي تمولها الإمبراطورية ودعاية الفاتكان كلها تؤسس النموذج الأيديولوجي الدي يصف الخضوع بما هو " تحديث" والاستعمار الجديد بما هو عولمة والمضاربة المالية بما هي عصر الإعلاميات .
حاليا ، على عكس الماضي ، تتغلغل السلطة الإمبريالية في كافة المناطق الجغرافية وكل مظاهر الحياة الاقتصادية - الاجتماعية . لا تسيطر الشركات متعددة الجنسية والبنوك على أسواق البضائع والأسواق المالية واهم شبكات التجارة المحلية والعالمية فحسب بل أيضا على الصناعة الجينية ( الوراثية) للاغذية و إنتاج المنتجات الثقافية وتسويقها جماهيريا . والقوى العسكرية للدول يقودها جنرالات هيئة الأركان العامة الأوربية- الأمريكية . وعلامة النجاح الثقافي والتعليمي يجب ان يرخص لها ويعترف بها ويمولها الزعماء الثقافيون للمراكز الثقافية الإمبريالية الأوربية- الأمريكية . ان الإمبريالية ظاهرة متعددة الأشكال .
مكونات السلطة الإمبريالية
يتم التذكير بدون توقف بان الشركات متعددة الجنسية حاليا ليس لها هوية وطنية . لكن دراسة ميدانية حديثة لاحظت ان اكثر من80 بالمائة من القرارات الأساسية حول الاستثمارات والتكنولوجيا تتخذ في الشركة الام في البلد الأصلي. وبينما الشركات متعددة الجنسية تنتج وتبيع في كل بلدان العالم تستمر إدارة الشركة الام انطلاقا من أوربا والولايات المتحدة الأمريكية واليابان . باختصار توجد الشبكات الاقتصادية الدولية تحت رقابة الإمبريالية .
اقتصاد الإمبراطورية
ان مفهوم " العولمة " يعتم مستوى تركز السلطة الاقتصادية في مؤسسات اوربا و والولايات المتحدة الأمريكية . وتكشف معلومات مستقاة من جريدة فاينانشل تايمز ليوم 28 كانون الثاني 1999 انه من ضمن 500 من اكبر الشركات 244 منها من أمريكا الشمالية و173" أوربية و46 يابانية. أي بعبارة أخرى 83 بالمائة من أهم المنشآت التي تتحكم في التجارة والإنتاج العالمي هي أمريكية شمالية وأوربية . ويتجلى من ذلك أيضا توطد سلطة الولايات المتحدة الأمريكية وانحدار اليابان في السنوات الأخيرة . انتقل عدد الشركات اليابانية ضمن 500 الأكبر من 71 الى 46 بينما انتقل عدد المنشآت الأمريكية في ضمن الخمس مائة من 22 الى 244 . ويتعزز هدا الميل في الألفية الجديدة لان الشركات الأمريكية الشمالية سائرة في شراء عدد كبير من المنشآت اليابانية والكورية و أخرى آسيوية .
ويغدو تركز السلطة مذهلا اكثر ادا تأملنا الخمسة وعشرين شركة الأكبر في العالم (تلك التي تفوق رسملتها 86 ألف مليون دولار ): اكثر من 70 بالمائة منها أمريكية شمالية و26 بالمائة أوربية و04 بالمائة يابانية.ان كانت الشركات المتعددة الجنسية تتحكم في الاقتصاد العالمي فان الولايات المتحدة الأمريكية هي القوة الساحقة المسيطرة.ان فكرة ان العولمة تخلق عالما مترابطا خاطئة.كما أن ما يسمى بالأسواق الناشئة في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية لا تمثل الا 5 بالمائة من 500 شركة الكبرى. ومما له دلالة اكبر أيضا أن سياق الأزمة الاقتصادية والخوصصة يقضي بأن تشترى 26 شركة تلك من طرف الرساميل الأمريكية او الأوربية وستتحول الى شركات من الباطن للإمبراطورية الأمريكية -الأوربية .
في المجال المالي :
11 من أهم المنشآت المالية للاستثمار هي أمريكية شمالية واثنتان الباقيتان أوربية . الإمبراطورية وليس العولمة هو ما يفسر لماذا يواصل اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية نموه بينما اقتصاد آسيا وأمريكا اللاتينية والاتحاد السوفيتي سابقا يشهد توقفات وافلاسات وأزمات اقتصادية وانهيارات . كما ان النقل الواسع للأرباح والفوائد والادعاءات للشركات متعددة الجنسية بأوربا والولايات المتحدة تسبق وترافق أزمات باقي العالم . يمكن فهم نظام الازدهار والازمة هذا بما هو اشتغال ناجح للإمبراطورية الأوربية- الأمريكية . وتتسارع الأزمة بفعل اللبرلة القسرية والاستثمارات المضارباتية . ونتيجة للازمة تستفيد البلدان الإمبريالية من شراء الشركات المفلسة ويسمح لها ذلك بالتسديد بعملة مخفضة القيمة وشراء مواد الاستهلاك بأثمان زهيدة .وفي أيامنا هذه وسع الرأسمال الأوربي- الأمريكي تحكمه ابعد مما كان في البقع الإمبريالية الأولى في المناجم والزراعة والصناعة . فالبنوك الأمريكية الشمالية تتوصل حاليا بمئات البلايين من اداء الديون وتراقب الأملاك العقارية ومحلات البيع بالتقسيط والمراكز التجارية ومنتجات الثقافة الجماهيرية و وسائل الاتصال الجماهيري وتدير السياسة الماكرو اقتصادية عبر صندوق النقد الدولي والبنك العالمي . ان تقدم وعمق الإمبريالية المعاصرة يفوق ما كان عليه نظيرها الاستعماري. ان هده الإمبراطورية الاقتصادية المربحة خلقتها وتحميها وتوسعها الدولة خلافا للفلكلور الليبرالي الجديد الدي يدعي أنها نظام سوق مكتف بنفسه