ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تاريخ مسراتة منذ الفتح الإسلامي وحتى بداية العهد العثماني
كان أهم حدث في مسراتة خلال العصور الوسطى هو تغير مسار طريق الحج ليمر بها بعد أن كان مساره في السابق يقع جنوبها، وترتب على ذلك بروز اسم مسراتة بين الحجاج خاصة وأنها كانت آخر المنازل العامرة قبل دخولهم برية برقة التي كانت خالية من أي عمران. وقد كانت لقبيلة هوارة السيطرة على منطقة مسراتة قبل هجرة بني سليم وبني هلال في سنة 1051، ثم كانت لأولاد سالم من بنى ذباب السليميين بعد هجرتهم، وسأتناول الحديث عن تاريخ منطقة مسراتة عبر محورين تاريخها قبل تسميتها بمسراتة وتاريخها بعد تسميتها بهذا الإسم.
1- تاريخ المنطقة قبل تسميتها بمسراتة: -
بعد الصراع الذي دار بين القبائل من جهة والدولة الرومانية ثم البيزنطية من جهة أخرى استطاعت قبيلة هوارة السيطرة على المنطقة، وكانت مسراتة جزءا من ديارها عند الفتح الإسلامي في عام 22 ﻫ (643) وبقيت هوارة تسيطر على المنطقة إلى أن ضعفت قوتها بسبب الثورات التي شاركت فيها منذ أواخر الدولة الأموية إلى بداية الدولة العبيدية، وعندما هاجرت قبائل بنى هلال وبنى سليم في عام 443 ﻫ (1051) لم يحصل صدام بينهم وبين هوارة، وألت سيطرة على إقليم طرابلس لبنى ذباب من بنى سليم بعد الاتفاق الذي تم بين بنى هلال وبنى سليم على تحديد مناطق نفوذهم في المغرب العربي.
وبالنسبة لتاريخ المنطقة في هذه الفترة فإن ما ذكره الجغرافيون العرب عنها يتمثل في ورود اسم مسراتة عند اليعقوبي كقبيلة(1)، وورود اسمي مكانين في مسراتة وهما طرف قانان عند البكري والإدريسي، وسويقة ابن مطكود عند عدد من الجغرافيين والمؤرخين والرحالة العرب.
وقد ورد ذكر سويقة ابن مطكود عند ابن حوقل وقال أن هوارة المقيمين بناحية قصر ابن مطكود يدفعون الزكاة والخراج لعامل طرابلس(2)، كما ورد ذكرها عند بعض المؤرخين في سياق الحديث عن الحروب التي وقعت بين يحي بن غانيه والموحدين، حيث تذكر المصادر التاريخية أن الناصر الموحدي أرسل أخاه أبا إسحاق في عام 602 ﻫ (1206) لمطاردة ابن غانيه، فطارده حتى سويقة ابن مطكود(3).
2 - تاريخ المنطقة بعد تسميتها بمسراتة: -
ظهر اسم مسراتة كدلالة على المنطقة في منتصف القرن الثالث عشر مع تحول طريق الحج إلى المرور بها، وبدأ بعد ذلك ذكرها يرد عند المؤرخين والجغرافيين، وذكرت المصادر التاريخية أن الأمير الحفصي أبى زكرياْ حاكم بجاية قام بجولة في إقليم طرابلس في عام 685 ﻫ (1286) بناءا على دعوة من بنى ذباب فوصل إلى الأبيض بمسراتة وبايعته قبائل بنى ذباب من الجواري والمحاميد وآل سالم كما بايعه عرب برقة(4).
وكانت مسراتة في ذلك الوقت من ضمن مناطق مشيخة أل سالم الذين أصبح غلبون بن مرزوق شيخا لهم في عام 701 ﻫ (1301)(5)، وبسبب منافسة بنى زيان له، اتفق معهم على أن يتنازل لهم عن ترهونة وبنى وليد وسرت ويكون له مسلاتة وزليتن وما بينهما ومسراتة وتاورغاء(6).
واتخذ غلبون بن مرزوق من قصر أحمد مقرا له بعد انتقاله إلى مسراتة، وتوارث أبناؤه من بعده رئاسة مشيخة أل سالم، وذكر ابن خلدون أن شيخ أل سالم في زمانه هو حميد بن سنان بن عثمان بن غلبون(7) وذكر أن حاكم طرابلس علي بن عمار أرسل قائد جيشه قاسم بن خلف الله إلى مسراتة في عام 792 ﻫ (1389) في الظاهر بحجة جمع الضرائب وفي الباطن لإبعاده عن طرابلس(8)، وهذا الحدث يدل على نوع من الارتباط بين من يحكم مدينة طرابلس والمشيخات التي تحكم المناطق ويتمثل الإرتياط في دفع السكان لضريبة.
ولم يذكر ابن خلدون ولا المصادر التاريخية من بعده من تولى مشيخة آل سالم بعد الشيخ حميد، ولكن المعروف أن مشيخة بنى تليس التي أسسها على بن تليس خلفت الغلابنة في حكم المناطق التابعة لهم(9).
وقد حكمت مشيخة بنى تليس المنطقة ما يزيد على القرن، ثم انهارت ولا يعرف من تولى حكم المنطقة بعدهم، ولكن يبدو أن مشيخة قامت في مسراتة سيرت شؤونها بعد انهيار مشيخة بنى تليس واحتلال الإسبان لمدينة طرابلس في سنة 1510، التي غادرها عدد كبير من سكانها واستقروا في مناطق أخرى من بينها مسراتة، التي نقل إليها التجار نشاطهم مما ساهم في زيادة وازدهار النشاط التجاري بها وتحولت إليها القوافل التجارية القادمة من إفريقيا وسفن البندقية(10)، ونتيجة لذلك قامت جمهورية البندقية بفتح فرع قنصلي لها بمسراتة لرعاية مصالحها وعينت به نائب لقنصلها بطرابلس(11).
وظلت مسراتة تدير شؤونها حتى دخولها تحت السيادة العثمانية بعد تحرير طرابلس في سنة1551.
* تاريخ مسراتة العـثماني
جاء العثمانيون إلى بلادنا محررين ومنقذين ونجدة للمسلمين في المغرب العربي بعد تكالب عليهم الصليبيون الأسبان عليهم بعد سقوط غرناطة، ولولا هذه النجدة لسقطت بلدان المغرب العربي في يد الصليبيين الإسبان منذ القرن السادس عشر، وقد دامت الفترة العثمانية في بلادنا مدة ثلاثمائة وستين سنة من سنة 1551 إلى سنة 1911 وتقسم تلك الفترة إلى ثلاثة عهود هي العهد العثماني الأول، فالعهد القرمانلي، وأخيرا العهد العثماني الثاني، ونظرا لبعد طرابلس عن مركز الدولة العثمانية استأثر الدايات ثم من بعدهم القرمانليين بالحكم، وأصبحت سيادة الدولة العثمانية اسمية، ولم تزد سنوات الحكم العثماني المباشر بين سنتي 1551- 1835 عن 79 سنة من 284 سنة، وبعد احتلال الإستدمار الفرنسي الجزائر، قامت الدولة العثمانية في سنة 1835 بإعادة سيطرتها المباشرة على إيالة طرابلس خوفا عليها من وقوعها في يد الإستدمار الأوربي، وقد شعر السكان أيضا بهذا الخطر بعد احتلال تونس سنة 1881، وحاولت الدولة العثمانية تطوير طرابلس ولكنها أصبحت غير قادرة حتى على مساعدة نفسها بعد أن تكالب عليها الصليبيون من روسيا حتى إنكلترا.
وطيلة الحكم العثماني لم يتغير نمط الحياة القائم بمسراتة منذ العصور الوسطى الذي يجمع خصائص متعددة من بيئات مختلفة، فمن الريف خاصية الاستقرار بالقرى والعمل بالزراعة، ومن حياة سكان المدن الإسلامية العمل بالتجارة وعدم الاختلاط والمحافظة، ومن البادية التنظيم القبلي الذي استقر خلال العهد القرمانلي وحتى نهاية العهد العثماني الثاني على تجمعين قبليين هما الأهالي والكوارغلية.
ولم ينتقل المجتمع خلال تلك الفترة من مجتمع يعتمد على الزراعة إلى مجتمع يعتمد على الصناعة، وبقي أغلب أفراده يعتمدون على الزراعة في حياتهم على الرغم من الصعوبات التي كانت تحيط بها، وخاصة أنها تعتمد على الأمطار فإذا قلة أو انقطعت حدث الجفاف الذي كان دوريا وقاسيا على السكان.
1 - مسراتة في العهد العثماني الأول: -
بدأ العهد العثماني في ليبيا بتحرير طرابلس في سنة 1551، وارتبطت مسراتة بأول والي عثماني وهو مراد آغا(12)، وبعد تولي دورغود باشا(13) الحكم في سنة 1556 قام بحملة على المناطق ومن بينها مسراتة(14) التي هجرها جزء من سكانها بعد علمهم باتجاه الحملة، ليستقروا بعد ذلك في بنغازي، وقام دورغود باشا بوضع حامية من الجنود الإنكشارية بمسراتة لتثبيت السيطرة عليها وجمع الضرائب ومنح قائدها حرية التصرف واتخاذ القرار الذي يراه مع جنوده أو مع السكان(15).
وفي إطار الصراع الدائر قام فرسان مالطا(16) بالنزول ليلا بقوات عسكرية في مرسى قصر أحمد في سنة1561 واتجهوا إلى القرية ونهبوها ثم عادوا إلى سفنهم حاملين معهم خمسة وستين أسيرا أغلبهم من النساء والأطفال(17)، ولدرء هذا الخطر تم بناء حصن بمرسى قصر أحمد وضعت به بعض الذخائر الحربية لمقاومة أي اعتداء يقع على المنطقة.
وقد قام دورغود باشا أثناء حكمه باستقدام الكثير من جنود الإنكشارية(18) الذين تمتعوا في إيالة طرابلس بوضع متميز عن باقي الإنكشارية في إيالات الدولة العثمانية، فبالإضافة إلى المرتبات المرتفعة وتزويدهم بالمواد الغذائية والملابس سمح لهم بقرار خاص صادر من السلطان العثماني سليمان القانوني بالزواج والعمل بالتجارة مع إعفائهم من الضرائب وهو ما كان ممنوعا عليهم(19).
وأدت هذه القرارات إلى زيادة اختلاط الإنكشارية بالسكان وزيادة تعدياتهم مما أدى إلى نشوب ثورات تم إخمادها بقسوة، ولكن ذلك لم يمنع اندلاع ثورة عارمة في سنة 1588 قادها يحي بن يحي السويدي وانضم له فيها شيوخ القبائل ومنهم شيوخ قبائل مسراتة واستطاعوا القضاء على القوة العسكرية للحاميات الإنكشارية خارج مدينة طرابلس التي فرضوا حصار بري عليها(20)، ولم تستطع الدولة العثمانية القضاء على الثورة وإعادة فرض سيطرتها على المناطق الداخلية إلا في سنة 1590(21).
وبعد ذلك مرت أحوال سكان مسراتة ما بين سخط وولاء لمن يحكم طرابلس، حيث شاركت قبائل مسراتة في حملة دعا لها الداي(22) محمد باشا الساقزلي(23) في سنة 1639(24)، ثم شاركوا في الثورة التي قامت على خلفه الداي عثمان باشا الساقزلي(25) في سنة 1673 وانتهت بصلح مع الداي المذكور(26).
وفي عهد خلفه بالي داي(27) لبى مشائخ مسراتة دعوته لدفاع عن طرابلس وشاركوا في صد العدوان عن مدينة طرابلس حتى زال الخطر(28).
وفي خلال القرن السابع عشر إفرنجي استخدم مرسى قصر أحمد من قبل السفن الطرابلسية العائدة من الغزوات البحرية، حيث كانت تتوقف به ويرسل ربابنتها من يستطلع الأخبار في مدينة طرابلس، فإذا تأكدوا من سلامة الوضع واستتباب الأمن أبحروا بسفنهم بمحاذاة الساحل إلى طرابلس(29).
وكان الساحل في حالة قيام حرب مع دولة أوربية كبيرة يحاصر من قبل سفنها، كما حدث في سنة 1676 عندما حصر الساحل من قبل السفن الإنكليزية طوال شهري يناير وفبراير حتى تم الصلح في شهر ابريل(30).
ومع نهاية القرن السابع عشر بدأ دور الكوارغلية يبرز في الحياة السياسية بعد أن زاد عددهم وأصبحوا يشكلون قوة عسكرية حلت محل الإنكشارية الذين اقتصر وجودهم على مدينة طرابلس، وقد انضم كوارغلية مسراتة مع بني معدان في عام 1109 ﻫ (1698) إلى عبد الله بن عبد النبي الصنهاجي الذي كان موالي لوالي طرابلس ضد منصور بن خليفة وجرت معركة بينهم في قرارة بن جدي انتصر فيها الصنهاجي ومن معه(31)، ثم انقلب بعد انتصاره وتوجه نحو مسراتة فهادنه حاكمها في تلك الفترة أحمد بن ضيف الله وأظهر له الصداقة وهاداه حتى وصل خليل باشا(32) على رأس جيش والتقى به في بوادي حسان في عام 1111 ﻫ (1699) وحدثت معركة أسفرت عن هزيمة الصنهاجي(33).
ولم ينس المسراتيون لخليل باشا وقوفه معهم، ولذلك عندما ثار الجند على خليل باشا في طرابلس وعزلوه عن الحكم في أواخر عام 1121ﻫ (1709)، قام رحومة بن جويلي المسراتي كبير ركب تجار مسراتة بآخذ خليل باشا معه حتى أدخله مصر سالما(34).
الهوامش:-
1- أنظر: أحمد بن أبي يعقوب بن واضح اليعقوبي. البلدان. ط1(بيروت: دار إحياء التراث العربي. 1988 (. ص 103.
2- أنظر: أبو القاسم محمد بن علي النصيبي المعروف بابن حوقل. صورة الأرض. ضمن كتاب ليبيا في كتب الجغرافية والرحلات. اختيار وتصنيف: د إحسان عباس- د محمد يوسف نجم. (بنغازي: دار ليبيا للنشر والتوزيع. 1968 (. ص 22.
3- أنظر: اتوري روسي. تاريخ ليبيا منذ الفتح العربي حتى سنة1911. ترجمة وتقديم خليفة محمد التليسي. ط2(طرابلس: الدار العربية للكتاب. 1991). ص112.
4- أنظر: أبو زيد عبد الرحمن بن خلدون. كتاب العبر. ط2(بيروت: دار الكتاب اللبناني- مكتبة المدرسة.1983). مج6. ص701.
5- أنظر: مختار الهادي بن يونس. علماء الغلابنة وآثارهم العلمية. ط1(طرابلس: منشورات مركز جهاد الليبيين ضد الغزو الإيطالي.1991). ص 26.
6- أنظر: المصدر السابق. ص 27.
7- أنظر: ابن خلدون. مصدر سبق ذكره. ص 171.
8- المصدر السابق. ص 965.
9- أنظر: بن يونس. مصدر سبق ذكره. ص 28.
10- أنظر: ايتوري روسي. طرابلس تحت حكم الإسبان وفرسان مالطا. ترجمة: خليفة محمد التليسي. ط2(طرابلس: المنشأة العامة للنشر والتوزيع والإعلان. 1985) ص 37.
11- أنظر: فرانشسكو كورو. ليبيا أثناء العهد العثماني الثاني. تعريب وتقديم: خليفة محمد التليسي. ط2(طرابلس: المنشاة العامة للنشر والتوزيع والإعلان.1984).
12- مراد آغا: جندي عثماني أرسل إلى طرابلس في عام 926 ﻫ (1519) إلى تاجوراء لكي يساهم في الدفاع عنها ضد الأسبان وشارك في الجهاد ضدهم ثم ضد فرسان مالطا، وتسلم قيادة المجاهدين في حوالي سنة 1539 بعد وفاة خير الدين الذي كان يحكم تاجوراء، وشارك في تحرير طرابلس في عام 958 ﻫ (1551) وأسند له حكمها وظل واليا عليها حتى عام 963 ﻫ (1556) وتوفي بتاجوراء ودفن في الجامع الذي بناه بها.
أنظر: عزيز سامح. الأتراك العثمانيون في إفريقيا الشمالية. ترجمة: عبد السلام أدهم. ط1(بيروت: دار لبنان للطباعة والنشر.1389 ﻫ- 1969). ص22-23،52-53.
13- دورغود: ولد في عام 890 ﻫ وعمل في صباه على إحدى السفن وأهله ذلك لأن يكون بحارا بارعا في سن العشرين، وقد شارك في عدة غزوات جهادية على السواحل الأوربية وقاد بعضها، ثم شارك سنان باشا قائد الأسطول العثماني في تحرير طرابلس في عام 958 ﻫ (1551)، ثم ولي حكم طرابلس في عام 963 ﻫ (1556) وظل في الحكم إلى وفاته خلال حصار مالطا في سنة 1564 وحمل جسده ودفن في الجامع الذي يعرف إلى الآن بجامع درغوث بطرابلس.
أنظر: عزيز سامح. مرجع سبق ذكره. ص24،52-53،80.
14- أنظر: كوستا نزيو برنيا. طرابلس من سنة1510-1850. تعريب: خليفة محمد التليسي. ط1(طرابلس: منشورات الفرجاني. 1969). ص71-72.
15- ن إ بروشين. تاريخ ليبيا في العصر الحديث(منتصف القرن السادس عشر- مطلع القرن العشرين). ترجمة: عماد حاتم. ط1(طرابلس: مركز جهاد الليبيين ضد الغزو للدراسات التاريخية. 1991). ص 229.
16- فرسان مالطا: منظمة صليبية نشأت أثناء الحروب الصليبية وعرفوا باسم الإسبتارية وعندما حرر صلاح الدين القدس في سنة 1178 استقروا في عكا، وعندما حررها السلطان خليل بن قلاوون في سنة 1291 انسحبوا إلى قبرص، ثم احتلوا جزيرة رودس في سنة 1306 وأخذوا يشنون منها الغارات على سواحل الدولة العثمانية وبلاد الشام، ثم حاصرهم السلطان سليمان القانوني فيها حتى طردهم منها في سنة 1523، فمنحهم الأسبان جزيرة مالطا ومدينة طرابلس، وعندما حرر العثمانيون مدينة طرابلس وبقوا في مالطا حتى أنهى نابليون حكمهم لها عندما احتل مالطا في سنة 1798.
أنظر: اتوري روسي. طرابلس تحت حكم الإسبان وفرسان مالطا. ترجمة: خليفة محمد التليسي. ط2(طرابلس: المنشأة العامة للنشر والتوزيع والإعلان. 1985). ص 49-50،52.
17- أنظر: اتوري روسي. ليبيا منذ الفتح العربي حتى سنة 1911. ترجمة وتقديم: خليفة محمد التليسي. ط2(طرابلس: الدار العربية للكتاب. 1911). ص 229.
18- الإنكشارية: تسمية تعني الجنود الجدد، وقد أطلقت على الجنود الذين قامت الدولة العثمانية بإستقدامهم وهم صغار من بلاد البلقان ثم تربيتهم على الإسلام وتدريبهم عسكريا وضمهم إلى الجيش العثماني، واستمر العمل بنظام الإنكشارية حتى ألغاه السلطان محمود الثاني في سنة 1826.
19- أنظر: بروشين. مصدر سبق ذكره. ص.44-45.
20- أنظر: برنيا. مصدر سبق ذكره. ص97 .
21- أنظر: روسي. مصدر سبق ذكره. ص 244.
23- الداي: لقب يعني بالتركية (معالي) ويطلق على الحاكم الفعلي للإيالة، وقد اتخذه حكام إيالات طرابلس وتونس والجزائر لقباً لهم، وأول داي في طرابلس هو صفر داي في سنة 1611.
أنظر: برنيا. سبق ذكره. ص 110.
24- الداي محمد الساقزلي: نصب داياً في سنة 1631، ثم عينته الدولة العثمانية والياً في سنة 1633 ومنحته لقب باشا فجمع منصبي الوالي والداي وظل يحكم إلى وفاته في سنة 1649.
أنظر: برنيا: سبق ذكره. ص 137-138،142،171.
25- أنظر: برنيا. مصدر سبق ذكره. ص 154.
26- الداي عثمان باشا الساقزلي: نصب داياً في سنة 1649 ثم عينته الدولة العثمانية واليا في نفس السنة ومنحته لقب باشا فجمع منصبي الوالي والداي وظل يحكم إلى وفاته في سنة 1672.
أنظر: برنيا: سبق ذكره. ص 178.
27- أنظر: روسي. مصدر سبق ذكره. ص 280-281.
16- الداي بالي داي: نصب داي سنة 1672 وظل يحكم إلى سنة 1675.
أنظر: برنيا. سبق ذكره. ص 363.
28- أنظر: شارل فيرو. الحوليات الليبية منذ الفتح العربي حتى الغزو الإيطالي. نقلها إلى العربية وحققها بمصادرها ووضع مقدمتها النقدية: د محمد عبد الكريم الوافي. ط2(طرابلس: المنشأة العامة للنشر والتوزيع والإعلان. 1983). ص 226.
29- أنظر: برنيا. مصدر سبق ذكره. ص 116.
30- أنظر: روسي. مصدر سبق ذكره. ص 294.
31- أنظر: محمد بن خليل بن غلبون. التذكار فيمن ملك طرابلس وما كان بها من الأخيار. عنى بتصحيحه والتعليق عليه. الطاهر أحمد الزاوي. ط2(طرابلس: مكتبة النور. 1967). ص 192- 193.
32- خليل باشا: كان جندي ولاه الداي محمد الإمام باشا رئاسة الفرقة البحرية، ثم زوجه ابنته وسلمه قيادة الجيش، وقد ثار عليه الجيش وعلى صهره محمد الإمام باشا في سنة 1701 فهرب إلى تونس، ثم عاد وتمكن من استعادة الحكم وأعاد صهره الذي توفي في سنة 1707 فحل محله في منصب الداي ومنحته الدولة العثمانية لقب باشا ثم ثار عليه الإنكشارية ورحل إلى مصر، وحاول استعادة الحكم بعد تولى أحمد باشا القرمانلي فقتل في سنة 1711.
أنظر: روسي. سبق ذكره كمصدر. 307-318،328.
33- أنظر: ابن غلبون. مصدر سبق ذكره. ص 196- 197.
34- أنظر: المصدر السابق. ص205- 206.
اللوحات من موسوعة تاريخنا، ومن موقع السلالات الحاكمة، وصورة المرشد الروحى من كتاب اتوري روسي. طرابلس تحت حكم الإسبان وفرسان مالطا. ترجمة: خليفة محمد التليسي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد تزايد دور الكوارغلية في الحياة السياسية مع بدء انحسار دور الإنكشارية، استطاع أحمد القرمانلي(1) الاستيلاء على الحكم في سنة 1711، مما دفع كوارغلية مسراتة إلى التطلع إلى الحكم وقاموا في عام 1132 ﻫ (1720) بقيادة كل من إبراهيم الترياكي وعلي بن خليل الأدغم وإبراهيم ابليبلو بإعلان خلع أحمد باشا القرمانلي وبايعهم الكوارغلية على أن يكون إبراهيم الترياكي محل أحمد باشا القرمانلي ويكون علي الأدغم وزيره، وتوجهوا إلى طرابلس لتنفيذ ما أعلنوه، وعندما وصلوا تاجوراء(2) جرت معركة انتصر فيها أحمد باشا القرمانلي وأعطى الجميع الأمان ماعدا إبراهيم الترياكي وعلي بن خليل الأدغم الذي هرب إلى مصر وبقي فيها حتى عفى عنه أحمد باشا القرمانلي فرجع في عام 1133 ﻫ (1721)(3).
ومن الأحداث التي شهدتها مسراتة بعد ذلك هطول أمطار غزيرة في صفر عام ﻫ1139 (التمور سنة 1726) تسببت في فيضانات نجم عنها تهدم المنازل وتلف المزروعات وهلاك الدواب(4).
وخلال حرب قامت مع فرنسا قامت البحرية الطرابلسية بالاستيلاء على زورق فرنسي في سنة 1728 كان يبحر قرب شاطئ مسراتة(5).
وقد أصيبت البلاد بكارثة عندما تفشى وباء الطاعون في شهر الصيف سنة 1733 واستمر شهر ونصف توفي خلاله الكثير من السكان(6)، ثم أصيبت البلاد بجفاف أدى إلى مجاعة أصابت السكان في سنتي 1734- 1735 (7).
وعاود الجفاف في سنة 1745 وأدى إلى وفاة الكثير من السكان وهلاك دوابهم(8)، ثم تكرر الجفاف في سنة 1767 وأدى إلى مجاعة اضطرت أربعين ألف من سكان إيالة طرابلس إلى الهجرة إلى مصر وتونس، واستمر الجفاف في السنة اللاحقة التي انتشر فيها وباء الكوليرا(9).
وعلى مستوى الأحداث القبلية في مسراتة أصبح سالم الأدغم آغا للكوارغلية بعد وفاة والده رمضان آغا في سنة 1782(10) وقاد كوارغلية مسراتة الذين شاركوا في حملة عسكرية سنة 1783(11).
وقد عاود الجفاف في سنة 1784 وعمت المجاعة(12) ثم تفشى الطاعون في شهر ابريل سنة 1785 ولم ينقطع إلا في شهر أغسطس سنة 1786(13).
وأدت تتابع سنين الجفاف إلى ارتفاع نسبة الوفيات وهجرة السكان إلى البلدان المجاورة ووفاة خمس سكان إيالة طرابلس، ونتيجة لذلك تأثر الوضع الاقتصادي والاجتماعي وارتفعت أسعار المواد الغذائية وهبط سعر الذهب والفضة حتى بيعا بأقل من قيمتهما الفعلية في أوربا بمعدل يتراوح بين 20% و25%(14).
وكانت الدول الأوربية في تلك الفترة تسعى إلى اكتشاف القارة الإفريقية لنهب ثرواتها وفي إطار ذلك قامت الجمعية الإفريقية بلندن بإرسال ويليام لوكاس William Lucas إلى طرابلس الذي وصلها في هانيبال سنة 1788 ثم حصل على الأذن بالتوجه إلى فزان فسافر عبر طريق مسراتة التي وصل إليها في 5 النوار سنة 1789 وبقي فيها بسبب تعذر مواصلة السفر إلى فزان فبقي إلى 6 ابريل يجمع المعلومات عن وسط إفريقيا من التجار، ثم عاد راجعا وقدم تقريره إلى الجمعية التي أرسلته(15).
وفي محاولة من علي باشا القرمانلي(16) لفض النزاع الذي قام بين أولاده، قام بتعيين ابنه يوسف حاكما على مسراتة في شهر الربيع 1790 في محاولة لإبعاده عن طرابلس(17)، وانعكست ردة فعل يوسف على ذلك في سوء تعامله مع سكان مسراتة، فأعربوا عن عدم رغبتهم في إقامته بينهم خاصة بعد قيامه في شهر هانيبال من نفس السنة بقتل أخيه حسن بك، واعتبر يوسف موقف سكان مسراتة منه إهانة له فأقنع والده بإرسال حملة عسكرية عليهم، وتوجهت الحملة نحو مسراتة في شهر الحرث سنة 1790 وأسفرت عن معارك عنيفة ألحقت أضرارا بسكان مسراتة(18).
ولم يطل الوقت حتى أعلن يوسف خروجه على أبيه وأخيه أحمد في سنة 1791 فساند أهل مسراتة أحمد بك وأرسلوا عددا من المقاتلين لدعمه، ثم قام الحاج سالم آغا الأدغم في نهاية شهر أغسطس سنة 1793 بقيادة حوالي أربعمائة فارس ومائتين من المشاة من مقاتلي مسراتة نحو طرابلس وعندما اقترب منها اشتبك مع قوات يوسف المحاصرة لها وكاد أن يلحق بها الهزيمة لولا تخاذل أتباع أحمد بك القرمانلي عن دعمه بهجوم ينطلق من داخل مدينة طرابلس، ومع ذلك شق طريقه إلى المدينة ودخلها(19).
وبينما كانت الاستعدادات تتم لاستئناف القتال حدث ما لم يكن بالحسبان عندما أرسى أسطول عليه شخص يحمل فرمان من السلطان العثماني بتولي الحكم، فقرر أهالي المدينة القبول به بعد أن سئموا من نزاعات الأسرة القرمانلية فيما بينهم، وخرج علي باشا القرمانلي وتولى علي برغل(20) الحكم(21) بينما ظل يوسف القرمانلي مع قواته يراقب الموقف خارج طرابلس، فقام علي برغل بالتعاون مع الحاج سالم آغا بشن هجوم علي قوات يوسف باشا بخارج المدينة فشتتوها وغادر البلاد.
وبعد تسلم علي برغل الحكم قام بظلم سكان مدينة طرابلس ظلما شديدا فتطلعوا إلى عودة الحكم القرمانلي، فقام أحمد بك ويوسف القرمانلي باستعادة الحكم في آخر شهر يناير سنة 1795(22)، ثم أقصى يوسف أخوه أحمد بك عن الحكم في 11 الصيف سنة 1795 وحصل بعد ذلك على اعتراف الدولة العثمانية بحكمه وأصبح يحمل لقب باشا (23)وقام بإصلاح علاقته مع سكان مسراتة الذين شاركوا خلال حكمه في عدة حملات عسكرية، وكان سكان مسراتة خلال العهد القرمانلي منضوين في تجمعين قبليين هما: الأهالي والكوارغلية.
وخلال عهد يوسف باشا القرمانلي تزعم الشيخ أبو القاسم بن الشيخ أبوبكر بن منتصر قبائل الأهالي، وتزعم عصمان آغا بن سالم آغا الأدغم قبائل الكوارغلية.
وكان حكم مسراتة يتم إما بتعيين قائد يتولى جميع السلطات ماعدا السلطة القضائية أو يترك الحكم لزعيمي الأهالي والكوارغلية يدير كل منهما شؤون القبائل التابعة له بما في ذلك تعيين شيوخ القبائل.
وكان حسن البلعزي يتولى مهام قائد مسراتة في سنة 1821(24)، ثم عين يوسف باشا ابنه مصطفى بك حاكما لمسراتة عندما عين أبنائه حكام على المناطق(25).
وأهم حدث في تاريخ مسراتة خلال العهد القرمانلي هو قيام يوسف باشا ببيع الأراضي الخالية والبرية بمسراتة، واجتمعت لذلك القبائل وجمعوا المال، وناب في الشراء عن قبائل الأهالي الشيخ أبو القاسم بن منتصر، وعن قبائل الكوارغلية عصمان آغا الأدغم.
ومن الأراضي المشتراة وادي مميون دراق الذي تم شراؤه في شوال عام ﻫ1229 (سبتمبر سنة 1814)(26) ثم توالت مشتريات أراضي البرية، وقد قسمت بعض الأراضي بين القبائل وتركت الأخرى مشاعا بين القبائل خلال ذلك العهد، ومن المقاسمات التي تمت في ذلك العهد قسمة وادي مميون دراق التي تمت في عام 1233 ﻫ (1818)(27).
وقد عرفت وثائق الملكية باسم حجج بيت المال لأنها صادرة عن ناظر بيت المال ومختومة بختمه بالإضافة إلى ختم يوسف باشا القرمانلي.
وترجع أسباب بيع الأراضي العائدة للدولة إلى محاولة يوسف باشا إيجاد موارد مالية بعد إسرافه في صرف الأموال والاستدانة من التجار الأوربيين بربا فاحش، بالإضافة إلى زيادة مصاعبه المالية بسبب قرار الدول الأوربية مجتمعة منع دول المغرب العربي من القيام بغزوات بحرية أو تقاضي رسوم مرور من الدول الأوربية لقاء مرور سفنها بأمان في البحر المتوسط.
وقد أدى النقص في موارد الخزينة إلى قيام يوسف باشا بتبديل العملة المتداولة عدة مرات بعملات أقل قيمة منها خفضت فيها نسبة الذهب والفضة بالإضافة إلى فرض ضرائب جديدة على السكان، وأدى ذلك إلى قيام إلى ثورة أدت إلى حرب أهلية في سنة 1832، انقسم فيها السكان قسمين بين منادي بخلعه وبين باقي على ولائه له، وبالنسبة لمسراتة فقد أبدى عصمان آغا الأدغم تضامنه مع كوارغلية المنشية بطرابلس الذين كانوا أول من أعلن الثورة على يوسف باشا وقاموا بمبايعة حفيده محمد بك بدلا منه، وأما الشيخ أبو القاسم بن منتصر فعبر عن عطفه وولائه ليوسف باشا(28).
ونتيجة لهذه المواقف المتضاربة جاء أحمد القرمانلي إلى مسراتة أحمد القرمانلي لأخذ البيعة من سكانها لأخيه محمد بك الذي بايعه كوارغلية المنشية، ثم رجع أخذا معه الشيخ أبوالقاسم وابنه عبد الله للإقامة بالمنشية ليكونا تحت أنظارهم لأنه قيل له أنه لو بقي الشيخ أبوالقاسم بمسراتة فلن تتم لهم بيعة، لأنه متعاطف مع يوسف باشا والقبائل تستمع لكلمته، كما أخذ معه أيضا ابن عصمان آغا وابن أخيه خليل آغا(29).
وقد توفي الشيخ أبو القاسم بالمنشية في شهر ديسمبر سنة 1832، ورجع ابنه عبد الله إلى مسراتة وتولى مشيخة الأهالي، وقد أرسل علي باشا بن يوسف باشا القرمانلي الذي حل محل أبيه رسالة له ولأخيه أحمد في 30 ذي القعدة عام 1248 ﻫ (21 ابريل سنة 1833) وطلب فيها دعمهما ضد ابني أخيه والمعارضين له(30)، ولكن كان الوقت قد فات حيث إشتعلت الحرب الأهلية وانفرد كل زعيم بحكم منطقته ولم يعد بيد علي باشا إلا مدينة طرابلس، فأدت هذه الحرب في النهاية إلى تدخل الدولة العثمانية في سنة 1835 وقامت بإنهاء حكم الأسرة القرمانلية وإعادة حكمها المباشر على طرابلس.
* مسراتة في العهد العثماني الثاني:
بعد سيطرة نجيب باشا على طرابلس وعزل علي باشا القرمانلي وعودة الحكم العثماني المباشر, أرسل عصمان آغا الأدغم إلى نجيب باشا رسالة تتضمن الترحيب دون إعلان قبوله بالسلطة العثمانية المباشرة على مسراتة، وبعد ثلاثة أشهر من عزل علي باشا عين الوالي محمد رائف باشا(31) الذي وجه دعوة لوالدة محمد بك القرمانلي وأخته للعودة إلى مدينة طرابلس والإقامة فيها، فرفضتا العودة وانتقلتا من تاجوراء إلى مسراتة، ولذلك قامت الدولة العثمانية بإرسال المشير طاهر باشا(32) لفرض السيطرة المباشرة على مسراتة، ولما وصل طرابلس أعد قواته ثم نقلها بالسفن ونزل بها على شاطئ قصر أحمد بمسراتة في 14 ناصر سنة 1836 فلقي مقاومة عنيفة(33) واستمرت المعارك سبع وعشرين يوما أمدا فيها بقوات جديدة بقيادة شاكر صاحب الطابع(34) الذي قدم بثلاثة سفن حربية وتسعة سفن تجارية عليها ثلاثمائة جواد أهداها لطاهر باشا(35) الذي استطاع استمالة قسم من سكان مسراتة، فقرر عصمان آغا وقف المقاومة والخروج من مسراتة، وسيطر طاهر باشا على مسراتة في 9 هانيبال سنة 1836 (36)، ثم قبض بعد ذلك على عصمان آغا ونقله طاهر باشا معه عند رجوعه إلى استنبول في محرم عام 1253 ﻫ (ابريل سنة 1837)(37).
وخلال الشتاء في الفترة الواقعة بين سنتي 1836-1837 انتشر وباء الطاعون في إيالة طرابلس وأصبح وضع السكان والجيش العثماني صعبا وتوفي من السكان حوالي 80700 ألف نسمة(38).
وعفت الدولة العثمانية عن عصمان آغا، وعاد من استنبول في شوال عام 1255 ﻫ (ديسمبر سنة 1839) وأعيد آغا على كوارغلية مسراتة وزليتن وساحل آل حامد(39).
وعين حسن بك البلعزي قائدا على مسراتة، وبعد تولي الوالي الجديد محمد أمين باشا في 6 جمادى الآخرة عام ﻫ1258 (4 أغسطس سنة 1842) قام بتنظيم أمور الإيالة(40) في سنة 1845 وجعلت مسراتة مديريه ضمن لواء مسراتة الذي أصبح مركزه في مدينة الخمس التي أسست في تلك السنة.
ومن الأحداث الهامة التي شهدتها مسراتة في تلك الفترة زيارة السيد محمد بن علي السنوسي(41) لها خلال زيارته إقليم طرابلس في سنة 1844، وقد استقبله كل من الشيخ عبد الله بن منتصر وأخيه أحمد بإماطين، وقاما ببناء أول زاوية لطريقة السنوسية بمسراتة في نفس العام 1260 ﻫ (1844) في موضع بروك جمال قافلة السيد محمد السنوسي، كما بنيا زاوية ثانية في زاوية المحجوب بمسراتة، وأوقفا على كلا الزاويتين وقف لصرف على الزاويتين، وقد تولى الإشراف على الزاويتين بتكليف من السيد محمد السنوسي الشيخ عبد الله السني(42) الذي إستقر خلال تلك الفترة بإماطين لرعاية الزاويتين والقيام بالتعليم، وقد أقام بمنزل بني له قرب الزاوية.
وفي عهد الوالي محمود نديم باشا أعيد التنظيم الإداري للإيالة في سنة 1865 وجعلت مسراتة قضاء ضمن لواء الخمس(43)، وعين للقضاء قائم مقام ومجلس إدارة يتكون من أربعة أعضاء اثنان عن الأهالي واثنان عن الكوارغلية(44)، وعين الشيخ عبد الله بك بن منتصر مديرا على مسراتة ومنح رتبة (قيوجي باشي) كما عين الأميرألاي إسماعيل بك قائدا للقوة العثمانية المتواجدة بمسراتة والمناطق التي حولها، ثم عين عبد الله بن منتصر قائم مقام لواء الخمس في عام 1263 ﻫ (1847) ومنح رتبة (باي) وظل في منصبه إلى وفاته في عام 1266 ﻫ (1850) وخلفه في مشيخة الأهالي أخوه أحمد بك الذي عين في عدة مناصب منها قائم مقام الخمس في عام 1273 ﻫ (1857) ومنح لقب باشا ورتبة ميرميران، وتوفي في عام 1274 ﻫ (1858)، أما عصمان آغا الأدغم فقد خلفه أحمد آغا الأدغم في زعامة الكوارغلية والذي تولى عدة مناصب إدارية وعسكرية في ولاية طرابلس.
وبما أن البلاد تمر كل سبع أو عشر سنوات بفترة جفاف، فقد تسببت قلة الأمطار في موسم شتاء 1870-1871 إلى اضطرار السكان إلى ذبح مواشيهم لفقدهم الحبوب، فسمي ذلك العام بعام الذبح(45).
ثم تكرر الجفاف في سنة 1881 فقامت الدولة العثمانية باستيراد الدقيق وتوزيعه على السكان فسمي ذلك العام بعام الدقيق(46).
وبعد تعيين أحمد راسم باشا واليا على طرابلس في سنة 1882 قام بإصلاحات أخذت مسراتة نصيبا منها، وتم بناء قصر الحكومة بإماطين وحفر آبار على الطريق التي تربط إماطين بالمناطق البعيدة، كما تم إيصال خط البرق(التلغراف) إليها وأسس بها بلدية ومجلس بلدي، وقام الأهالي والتجار ببناء خمسة فنادق تجارية ومائتي مسكن وافتتحت مدرسة ابتدائية بتبرعات السكان(47).
وفي عهد الوالي حافظ باشا تم إلغاء امتياز الكوارغلية في سنة1901 والقاضي بعدم دفع الضرائب في مقابل تأدية الخدمة العسكرية(48)، كما تم تنظيم مسراتة إداريا وقسمت في سنة 1902 إلى محلات وعين لكل محلة مختار أعطيت له صلاحية إعطاء شهادات الملكية وإعلام سجل النفوس بحالات الولادات والوفيات.
ومن الأحداث المهمة في تاريخ مسراتة في تلك الفترة قسمة أراضي البرية المعروفة بالبر الفوقي الحساسين، والتي تم شرائها في عهد يوسف باشا القرمانلي وقسمت في زمن قائم مقام مسراتة بهجان بك(49) المعروف لدى كبار السن في مسراتة باسم بهجات بي.
الهوامش:-
1- أحمد باشا القرمانلي: كان يتولى قيادة فرسان الكوارغلية واستطاع الوصول للحكم في سنة 1711، واستمر يحكم إلى وفاته في سنة 1845 وخلفه ابنه محمد وبذلك أسس أسرة حاكمة تعاقب أفرادها في الحكم حتى سنة 1835.
2- تاجوراء: مدينة تقع شرق طرابلس بمسافة 12 كم.
3- أنظر: ابن غلبون. مصدر سبق ذكره. ص257- 259.
4- أنظر: المصدر السابق. ص 270.
5- أنظر: برنيا. مصدر سبق ذكره. ص 259.
6- أنظر: فيرو. مصدر سبق ذكره. ص 402.
7- أنظر: روسي. مصدر سبق ذكره. ص 334.
8- أنظر: فيرو: مصدر سبق ذكره. ص 408.
9- أنظر: المصدر السابق. ص 439-440.
10- أنظر: روسي. مصدر سبق ذكره. ص 366.
11- أنظر: فيرو. مصدر سبق ذكره. ص 455.
12- أنظر: روسي. مصدر سبق ذكره. ص 362.
13- أنظر: ريتشارد توللي. عشر سنوات في بلاط طرابلس. نقله إلى العربية عمر الديراوي أبوحجلة. ط1(طرابلس: مكتبة الفرجاني. د ت). ص 187-262.
14- أنظر: فيرو. مصدر سبق ذكره. ص 463.
15- أنظر: اتيليو موري. الرحالة والكشف الجغرافي في ليبيا منذ مطالع القرن التاسع عشر حتى الإيطالي(لمحة تاريخية وعرض المراجع). تعريب: خليفة محمد التليسي. ط2(طرابلس: المنشأة العامة للنشر والتوزيع والإعلان. 1984). ص 8- 9.
16- علي باشا القرمانلي: تولى الحكم في سنة 1754 وبقي يحكم حتى سنة 1793 عندما تنازل لعلي برغل، وقد تميز في بداية عهده بالقوة والنشاط ولكن في أخر عهده عرف بالضعف والصراعات والمصاعب الاقتصادية بسبب الطاعون والجفاف والإدارة السيئة.
17- أنظر: فيرو. مصدر سبق ذكره. ص 473-474.
18- أنظر: توللي. مصدر سبق ذكره. ص 429-445،490.
19- أنظر: برنيا. مصدر سبق ذكره. ص 272.
20- علي برغل: يعرف باسم علي الجزائري كان في وظيفة وكيل الخارج بالجزائر ثم أبعده داي الجزائر في فبراير سنة 1793 فسافر إلى استنبول، ثم جاء إلى طرابلس في عدة سفن يحمل فرمان بتولي الحكم وتنازل له علي باشا القرمانلي، وسمي ببرغل لتقديمه لجنوده القمح المجروش بسبب الصعوبة التي واجهته في استيراد الأرز من مصر فلقبوه ببرغل، وقد حكم طرابلس حتى آخر أين النار سنة 1795 وساءت سيرته في الحكم.
أنظر: روسي. سبق ذكره كمصدر. ص 368.
فيرو. سبق ذكره كمصدر. ص 372.
21- أنظر: روسي. مصدر سبق ذكره. ص 368.
22- أنظر: برنيا. مصدر سبق ذكره. ص 368.
23- أنظر: روسي. مصدر سبق ذكره. ص 372.
-24 أنظر: فريدريك و. بيتشي- هنري و. بيتشي. الأخوين بيتشي والساحل الليبي 1821-1822. ترجمة: د الهادي مصطفى أبولقمة. ط1(بنغازي: منشورات جامعة قاريونس. 1996). ص 85.
-25 أنظر: روسي. مصدر سبق ذكره. ص 404.
26- وثيقة خاصة مؤرخة في شوال عام 1229 ﻫ (الفاتح سنة 1814).
27- وثيقة خاصة مؤرخة في عام 1233 ﻫ (1818).
28- أنظر: إسماعيل كمالي. وثائق عن نهاية العهد القرمانلي. ترجمة محمد مصطفى بازامة. ط1(بيروت: دار لبنان للطباعة. 1965). ص 93-94.
29- أنظر: علي مصطفى المصراتي. رسائل أحمد القليبي بين طرابلس وتونس. ط1(بيروت: الدار العربية للكتاب. 1976). ص 111.
30- أنظر: كمالي. مصدر سبق ذكره. ص 100-101.
31- محمد رائف باشا: تم تعينه واليا في ربيع أول عام 1251 ﻫ (الفاتح 1835) وظل في منصبه إلى عزله في شوال عام 1252 ﻫ (أين النار1837).
أنظر: روسي. سبق ذكره. ص 423،428.
32- طاهر باشا: وصل إلى طرابلس في شهر الصيف 1836ف وقام بفرض السيطرة المباشرة لدولة العثمانية على المنطقة الواقعة بين مسراتة وطرابلس، ثم عين واليا في شوال عام 1252 ﻫ (أين النار سنة 1837) وظل في منصبه إلى عزله في محرم عام 1253 ﻫ (الماء 1837).
أنظر: روسي. مصدر سبق ذكره. ص 425، 426.
33- أنظر: روسي. مصدر سبق ذكره. ص 425، 426.
34- شاكر صاحب الطابع: هو رئيس وزراء تونس في تلك الفترة اتصل بالدولة العثمانية وأراد إعادة الحكم العثماني المباشر على تونس فعلم بأمره الباي مصطفى باشا فأمره بقتله في سنة 1837.
أنظر: فيرو. سبق ذكره. ص 236.
روسي. سبق ذكره. ص 429.
35- أحمد النائب الأنصاري. المنهل العذب في تاريخ طرابلس الغرب. تقريظ وتعليق فالح الظاهري المهنوي. ط2( طرابلس: مكتبة الفرجاني. د ت). ج1. ص 358.
36- أنظر: برنيا. مصدر سبق ذكره. ص 341.
37- أنظر: النائب. مصدر سبق ذكره. ص360 .
38- أنظر: روسي. مصدر سبق ذكره. ص 326، 328.
39- عمار جحيدر. آفاق ووثائق في تاريخ ليبيا الحديث. (طرابلس: الدار العربية للكتاب. 1991). ص 226-227.
40- أنظر: النائب. مصدر سبق ذكره. ص 367.
41- السيد محمد بن علي السنوسي الخطابي الإدريسي الحسني: ولد بمستغانم بالجزائر في عام 1202 ﻫ (1788) واستقر به المقام في برقة فنشر بها دعوته الإصلاحية، وانتفع بعلمه الكثير من الناس، وتوفي بالجغبوب في عام 1276 ﻫ (1859).
42- الشيخ عبد الله السني: ولد بسنار بالسودان في حوالي سنة 1800 وتلقى تعليمه بالسودان ثم باليمن على السيد أحمد بن إدريس ثم التقى بالسيد محمد بن علي السنوسي وأخذ عنه وصحبه، وقد غير لقبه من السناري إلى السني تيمنا بالسنة النبوية المطهرة، وأصبح من الشيوخ المعتمد عليهم في نشر الدعوة حيث قام بالإشراف على تأسيس العديد من الزوايا في منطقة طرابلس، ثم استقر بم المقام بمنطقة القبلة بزاوية مزدة وتوفي بها في سنة 1294 ﻫ (1877).
43- أنظر: روسي. مصدر سبق ذكره. ص 456.
44- وثيقة خاصة لدى المؤلف مؤرخة في 19 ذي القعدة عام 1253 ﻫ (23 الكانون سنة 1907).
45- أنظر: أنتوني ج كاكيا. ليبيا خلال الاحتلال العثماني الثاني (1835-1911). ط1(طرابلس: دار الفرجاني. 1395 ﻫ-1975). ص 36.
46- أنظر: المصدر السابق. ص 41.
47- أنظر: الوثائق العثمانية (المجموعة الأولى). ترجمة: محمد الأسطى. إعداد: خليفة محمد الدويبي.(طرابلس: مركز جهاد الليبيين للدراسات التاريخية. 1990). ص 133-135.
أحمد بك النائب. المنهل العذب في تاريخ طرابلس الغرب. تحقيق: الطاهر أحمد الزاوي. ط1(طرابلس: مكتبة الفرجاني. 1961). ج2. ص 19،29،46.
48- أنظر: روسي. مصدر سبق ذكره. ص 488-489.
49- وثيقة خاصة لدى المؤلف مؤرخة في عام 1325 ﻫ (1907).
* الصور عن موقع السلالات الحاكمة.