بناء على ذلك فان ما يملكه الشخص ابن السبعين من الخلايا الدماغية التي تسمى ( عصبونات - Neurons ) لا يقل عن عدد العصبونات في دماغه و هو في العشرين من عمره . بل أن هناك ناحية أكثر طمأنة من ذلك , و هي إن الدراسات بينت أن أدمغة الكبار قادرة على إنماء خلايا عصبية جديدة ( عصبونات ) , و ذلك في عملية يطلق عليها اسم ( التخلق العصبي ) – Neuron- genesis ) خلافا للاعتقاد السابق و هو إن الراشدين يفقدون خلايا من أدمغتهم تعد بالملايين في كل يوم لا يمكن تعويضها أبدا . طبعا هنالك تبدلات تحدث في دماغ الإنسان , تكون ذات ارتباط بالتقدم في العمر , فسرعة الدماغ في اختزان و إطلاق المعلومات , و كذلك قدرته على التركيز في جملة من الواجبات في نفس الوقت , هذه القدرة تتباطأ شيئا ما . و هذا هو السبب في إن القلة من الكبار هي التي تتمتع بالقدرة على التركيز التي يتمتع بها المراهقون من حيث أداء الأعمال المنزلية و الاستمتاع للموسيقى و الانخراط في حديث مع أحد الأصدقاء , في نفس الوقت . و حتى و لو لم يكن في مقدور معظم الكبار أن يؤدوا هذه ( البهلوانية ) الذهنية , فإنهم يكونون قادرين على الاقتراب من المقدرة على إحداث بضع تبدلات بسيطة على حيوياتهم .
و في حين إن عشرات من الكتب و المجلات و مواقع الانترنيت , التي تعالج طرق إدخال التحسين على أداء العقل , تعد القراء و المشاهدين و المستمعين بنتائج مدهشة , عن طريق ممارسة بعض التمارين ا الألعاب , فان البحاثة الملتزمين بالجد يعتقدون بان مفتاح المحافظة لذهنية و الصراعات و على حدة الذهن , هو شيء سهل , لا يعدو قياما بتمارين عقلية منتظمة , و تناولا لأغذية صحية , وأداء لأعمال منشّطة للعقل , وممارسة لهوايات مفيدة و انكبابا على أعمال محرضة للذهن . و يمكن اختصار هذا بالقول : إذا أردت أن تقوي دماغك فان المكان الذي يجب عليك أن تبدأ به هو تقوية جسمك .
العقل السليم في الجسم السليم
إن ما يضمن صحة الجسم , يضمن صحة العقل أيضا : احصل على عدد كاف من ساعات النوم المريح كل ليلة . تناول أغذية صحية متكاملة . مارس الرياضة بانتظام . لا تدخن و لا تعاقر الخمور . تحكم في الأمور التي تجلب لك الضغط العاطفي و الشدة وان كنت مضطرا لتناول بعض الأدوية لأسباب صحية , فتناولها بشكل صحيح . و يحذر الأطباء أيضا من أن الآفات الصحية غير المكتشفة بسبب غياب أعراضها , يمكن أن تسبب ضبابية الذهن . فارتفاع ضغط الدم , على سبيل المثال , هو من عوامل خطورة الإصابة بانحدار في الوظائف العقلية بسبب التقدم في العمر . لذلك فانه إذا كان ضغط الدم عند أحد الأشخاص أعلى مما ينبغي أن يكون عليه , فان من واجبه أن يسعى عن طريق الطبيب إلى تخفيضه . كما أن الداء السكري و تضيق الشرايين بسبب تراكم اللويحات , يمكن أن يؤديا إلى الانحدار الذهني .
إن بحثا أكثر ايجابية يشير إلى مقدرة النشاط الجسماني على زيادة مستويات مادة كيميائية تدعى ( عامل تغذوي عصبي دماغي الاشتقاق ) ( brain- Derived Neurotrophie Factor ) و هذه المادة تعمل على إنماء خلايا عصبية جديدة و على حمايتها من التلف ذي الارتياط بالسن , و هو التلف الناشئ عن الجذور الحرة وهذه الجذور هي النتاج الجانبي للاستقلاب الطبيعي للأكسجين . تعتبر الجذور الحرة السبب الأكبر للأضرار التي تلحق بالخلايا في أنحاء الجسم كافة . و الدفاعات الطبيعية للجسم ضدها يصيبها الضعف بمرور الأيام .إن العلماء القائمين على درس نمو الخلايا الدماغية , كانت أعمالهم حتى الآن مقتصرة على الحيوانات المخبرية , و لكن النتائج التي تم التوصل إليها عن طريق هذا الدرس تبشر بالخير . ففي دراسة بمعهد سولك في الخولا – كاليفورنيا , تبين إن الفئران التي تركض طاحون الدوس ما يساوي في طوله , طول ثلاثة أميال يوميا , تنمو في أدمغتها من الخلايا الجديدة داخل الحصين Hippocampus)) . ما يساوي مثلي ما ينمو منها في هذا القسم من الدماغ لدى الفئران الكسولة القابعة في أقفاصها طوال النهار بدون أن تفعل شيئا كثيرا .و أظهر بحث آخر حدوث تأثير ايجابي على الدماغ البشري بسبب التمارين الرياضية الحيهوائية , مثل ممارسة رياضة المشي الحثيث بمعدل ثلاث مرات في الأسبوع لمدة ثلاثة أشهر . و قد كانت الأبحاث التي أجريت حول هذا الأمر , منصبة على تخطيط و تنسيق القيام بعدة واجبات في نفس الوقت , مثل قيادة السيارة مع التنبيه إلى سلامة المشاة و الاستمتاع إلى الراديو و مراجعة كلمات خطبة مقرر لها أن تلقى آنيا و مستقبلا.
أي رياضة حيهوائية
إن المشي قد لا يكون الرياضة الحيهوائية الوحيدة التي ينبغي ممارستها . اذ أن كل رياضة حيهوائية أخرى كركوب الدراجة أو السباحة أو كرة المضرب ( التنس ) , كلها رياضات تمارس في الهواء الطلق و تساعد على ضخ الدم الغني بالأكسجين إلى الدماغ , و هو العضو الذي يستهلك من الأكسجين فوق ما يستهلكه أي عضو آخر من أعضاء الجسم .
انه ما من أحد يعرف , حتى الآن , ما إذا كانت هذه الفائدة الادراكية تتوقف عند توقف الإنسان عن ممارسة هذا النشاط الجسماني الواقي , فهذا من الأسئلة التي يحاول العلماء حاليا استقصاءها . ولكن حتى مع عدم توفر كل المعطيات حول مقدار فائدته , و عن أي العمليات الادراكية عند الإنسان . و ما على الإنسان , على الأقل إلا أن يمارس رياضة المشي فهي رياضة مجانية و ليس لها أي آثار عكسية على الجسم السليم .
إن الفواكه و الخضار هي أدوات قوية الأثر للإبقاء على دماغ الإنسان و جسمه في ذروة الصحة . فهذه الأطعمة الغنية بمضادات المؤكسد مثل ( جذرين – ب / Beta Carotene ) , و هي المواد التي يحولها الجسم إلى فيتامين – أ , و تلك المحتوية على فيتامين – ج (C)و فيتامين –ه ( E ) , يمكن أن تحفظ للإنسان حدة ذهنه , عن طريق مقاومتها للجذور الحرة .
و لكن مضادات المؤكسد ليست جميعا سواء , بل من الجائز أن يكون فيتامين –ه مثلا , يؤدي دورا لا يستطيع أداءه فيتامين –ج . ولهذا السبب كان من الضروري أن يتناول الإنسان أنواعا مختلفة من الخضر و الفواكه , يحتوي كل منها على مضاد مؤكسد يتميز به , مثل الحمضيات و الخضر و الجوز و المكسرات .
و فضلا عن ذلك فان فيتامينات مئوية تصل إلى 30% من الأشخاص الذين تجاوزوا الستين من العمر , لا تحصل أجسامهم بقدر جيد على هذا الفيتامين عن طريق الطعام , و لهذا السبب فانه قد يكون عليهم الاعتماد على حبوب الفيتامين التكميلية .
كذلك قد يكون من الصعب على الإنسان الحصول على مقادير كافية من فيتامين –ه ( E) , الموجود في الزيوت النباتية و جنين القمح و الجوز و المكسرات , عن طريق الطعام وحده . و هذا هو السبب الذي يحمل كثيرا من خبراء التغذية على توصية مرضاهم بتناول هذا الفيتامين عن طريق الحبوب التكميلية .
إن خط الدفاع الأول لجسم الإنسان هو الغذاء الصحيح , ولكن حبوب الفيتامين التكميلية شبيهة بحزام الأمان في السيارة .
حرّض دماغك لئلا تفقده
إن رفد الدماغ بسيل دائم من المحرضات و المنبهات و التحديات وهو ما يسميه علماء الأعصاب ( البيئة المثراة ) يساعد الإنسان أيضا على البقاء لّماحا سريع البديهة . إن الخلايا الدماغية تزدهر مع التحريض و الاستثارة , و تجف بدو نهما . لذلك فعليك أن تتحدى دماغك ببقائك دائم التطلع و الإبداع .ومع إن البحاثة لا يعرفون السبب , فإنهم يعرفون منذ عهد بعيد إن التعلّم يساعد الإنسان على حماية ذهنه من فقدانه لوظائفه الفكرية . و كلما ازدادت سنوات التعلم , ارتفع مستوى النشاط الذهني عند الإنسان , و قلت لديه فرص الانحدار العقلي الناجم عن التقدم في العمر . فاستعماله لمحرضاته الذهنية ينمي لديه ما يسميه علماء الأعصاب ( الاحتياط الدماغي ( (Brain Reserve) وهذا الاحتياطي هو طاقة إضافية تحافظ على حدة العقل عند الهرم و الشيخوخة .
ولقد دل آخر الأبحاث ان الدماغ يتجاوب مع التحديات الجديدة التي تحرضه , عن طريق انمائه " تغصنات " دماغية أطول و هذه التغصنات هي الأقسام الشبيهة بالفروع النامية من العصبونات ( خلايا الدماغ ) التي تتلقى الايعازات الكيميائية التي تتخاطب بها الخلايا الدماغية مع بعضها بعضا . و قد كان العلماء ذات حين يظنون إن هذه التغصنات لا تنمو الا في أدمغة الأطفال . غير أن الأبحاث الأخيرة تدل على أن الخلايا العصبية الأكبر سنا , تستطيع أيضا انماء التغصنات . و يتساءل البحاثة الآن عما إذا كان انكباب الإنسان على التعلم طول عمره يمكن أن يدعم تطور دماغه أيضا .والعلماء لا يعرفون أن النشاط الذهني المتزايد في آخر العمر , هو شيء مؤثر , و لكنهم يرون أن له تأثير . و لذلك فان الأشخاص في الخمسينات و الستينات و السبعينات من أعمارهم يمكن أن يستفيدوا من كثرة نشاطهم العقلي .وللتنشيط العقلي طرق عدة منه في مناهج مفيدة و الأسفار و تعلم لغة أجنبية , إذ إن هذه تذكي شرارة التغصنات الدماغية .
تحدّي الدماغ لا تسليته
و لقد عرّف البحاثة النشطة ذات التركيب المعقد بالنشطة للتي تتطلب اتخاذ قرارات صعبة , و اتباع وسائل متنوعة للوصول الى الأحكام أو حل المشاكل . و لكن حتى المسائل البسيطة يمكن أن تفيد ذهن الانسان اذا أديت أداء فيه مبادرة و حافز و توجيه ذاتي و ابداع . و كلما قل النشاط المركب قلت نتائجه .
الأربعاء 30 أكتوبر 2024 - 20:16 من طرف 
موضوع: ماذا تعرف عن خلايا المخ؟ 