يتفق الليبيون - قديماً - سواء كانوا في المدن أو في الأرياف على إنتاج ما يأكلون أو على الأقل تجهيزه وإعداده وحفظه لفترات طويلة فللطعام مع ربه البيت وقفة خاصة ومع رب الأسرة وقفة أخرى غنها رحلة طويلة وشاقة تجعل للطعام نكهة مميزة وبركة تبدأ من رمي البذرة في التربة ولا تنتهي عند حصادها وطحنها في آلة صغيرة تتطلب مجهوداً كبيرا تسمى ( الرحى ) كانت الليبية تغسل الشعير أو القمح وتجففه وتطحنه لتصنع منه (الدقيق والبازين والعصيدة والمكرونه الدويدة والرشدة والبركوكش والزميطة والبسيسة والقليل من الحلويات مثل الكعك والغريبة والمقروض ولقمة القاضي والدبلة).
وكانت تجفف البصل وتحتفظ به لفترات طويلة في جرار خاصة وكذلك الطماطم الذي تعجنه وتجففه في الشمس كما يجفف الحليب وكذلك التمر الذي يعجن ويحفظ في آواني من السعف تسمى البرسيل .
وكذلك اللحم الذي يتحول إلى قديد يؤكل على مدار العام دون الحاجة إلى حفظه في مبردات .
هذا الطعام الذي يُصنع بحب وجهد ويُحفظ في أواني يعترف العلم الحديث بجودتها وقدرتها على الحفظ الطويل كالفخار والسعف ، له نكهة مميزة ولذة نفتقدها اليوم كثيراً.. كانت الليبية أيضا تجتهد في جعل التوابل وهي في شكلها الخام إضافة مميزة إلى طعام مميز بتنقيتها من الشوائب وغسلها وتجفيفها وطحنها ومزجها بنسب معينة لتصبح في النهاية جاهزة لتتبيل طعامها على طريقتها الخاصة من التوابل أو المكنهات النادرة والمندثرة ( الخميرة ) وهي سر لا يدركه غير الجدة ، لم يصل إلينا منه سوى انه دقيق من الشعير يخلط بالماء ويحفظ في آنية من الفخار حتى يختمر ويتحول إلى طعم حامض فيستعمل عند الحاجة على الليمون . وكانت الليبية قد نجحت في اختيار بعض الأعشاب للتتبيل والأكل مثل الإكليل والزعتر والحميضة والعسلوز والقيز والقصول وغيرها فدخلت في تحضير الكثير من وجباتها وأطعمتها .
أما إعداد الخبز فكان له شأن أخر مع ربة البيت الليبية ويتنوع في شكله وطعمه وأواني أكله وطرق إعداده من خبزة الفرن على خبزة الحماس إلى الفطيرة والسنفز والفتات .. الخ ببساطة كانت المرأة الليبية قديما تعرف جيدا ما يدخل إلى جوفها وجوف أفراد أسرتها فالطعام تنتجه وتحضره وحتى في المدينة كانت الليبية تشتري المادة الخام كالقمح على سبيل المثال لتنقيه وتغسله وتجففه وتطحنه وتغربله ثم تعجن منه مقدار بالماء والملح حتى يصبح عجينة يابسة ثم تؤخذ قطعة صغيرة منها في اليد ليتم برمها بين الأصابع بسمك 1 سم إلى 2 سم وتوضع هذه الكمية المبرومة في قصعه – خشب- أو شكارة – قماش وتترك في الشمس لزمن حتى تجف ثم تحميها على النار قليلاً في زير أو حماس فهذه " ببساطة " طريقة صنع المكرونه المعروفة بالدويدة بل كانت ربة البيت الليبية تقوم بنفسها أو بمساعدة شريكها بصنع ما يلزم لصناعة الطعام وحفظه فعلى سبيل المثال لإعداد البازين ( الأكلة الشعبية المعروفة ) تحتاج المرأة إلى الأدوات التالية القدر من الفخار أو النحاس المعصدة أو المغرف من خشب الزيتون القصعه ثم الموقد وهو الكانون الفخاري أو المناصب الحجرية حول حفرة النار فكيف لا يكون لهذا الطعام نكهة ومذاق فريد وفائدة صحية تحفظ الجسد من الأسنان إلى المعدة في أحسن حال.