حدث له أهميته التاريخية ألا وهو قرب حلول الذكرى الثالثةو التسعون لإعلان قيام الجمهورية الطرابلسية في 16نوفمبر1918 والتي تعتبر أول جمهورية في العالم العربي خاصة وأن هناك من يقول أن أول جمهورية في العالم العربي هي الجمهورية اللبنانية وهذا يعتبر منافيا للواقع.
هذا الحدث التاريخي يؤكد على عمق العمل السياسي في ليبيا التي تميزت عن العالم العربي بهذا السبق التاريخي، والذي لم يأتي من فراغ، بل جاء نتيجة كفاح مرير وقتال شديد في مقاومة الغزو الإيطالي الذي أراد اغتصاب الوطن شعبا وأرضا.
فمن جامع المجابرة بمسلاتة في 16نوفمبر1918 تم إعلان الجمهورية الفتية وقد تم اختيار مجلس لرئاسة الجمهورية من أربعة أعضاء هم:
سليمان باشا الباروني - رمضان بك السويحلي - أحمد بك المريض - عبدالنبي بك بلخير
وقد كان لهذا الإعلان صداه على مختلف الأصعدة القومية والدولية، وقد أعرب الحاكم العثماني – فؤاد باشا – عن مشاعره الطيبة بمولد الجمهورية بقوله – إنها أسعد أيام حياته – عندما سمع بخبر إعلان الجمهورية الطرابلسية، الذي نزل كالصاعقة على الاستعمار الإيطالي، الذي اعتقد أن روح المقاومة الوطنية قد انتهت وأن ليبيا أصبحت الشاطئ الرابع لايطاليا، إلا أن هذا الإعلان هز التواجد الاستعماري في ليبيا.
وجاء بكتاب الدكتور مصطفى علي هويدي – الجمهورية الطرابلسية جمهورية العرب الأولى – أن إعلانها لم يكن وليد اللحظة - بل جاء عقب مشاورات دارت بين كافة القوى الوطنية – وكانت الجبهة التي ترأسها المجاهد رمضان السويحلي هي المحرك الرئيسي لإنشاء الجمهورية الجديدة في المغرب العربي، بحكم رئاسته لحكومة مصراتة التي أنشأها في 5 أغسطس 1915 بمؤسساتها الشرعية والقانونية، وبحكم انتصاره على القوات الإيطالية في معركة القرضابية التي دارت رحاها في 19 أبريل 1915 وهزم فيها الجيش الإيطالي ومني بخسائر فادحة في الأرواح والعتاد، حتى عرف رمضان السويحلي بأنه هو بطل القرضابية بلا منازع وهو ما اعترف به الكولونيل امياني الذي قاد القوات الإيطالية المنهزمة، وما قاله عنه الجنرال جريتسياني في كتابه نحو فزان بوصفه – أن رمضان السويحلي كان أشد عدو للقضية الإيطالية ... بل نعتبره العدو الأول لإيطاليا .... فهو ناصبنا العداء بكل صرامة ... ولم يخف هذه العداوة ... وهو ذو عزم قوي وصلابة لاتنثني -.
ومن خلال هذه المعطيات تم إعلان الجمهورية الطرابلسية وتم إبلاغ الجمهورية الفرنسية وكذلك الألمانية والعثمانية والإيطالية والإنجليزية.
وقد أصدر مجلس الجمهورية البلاغ التالي:-
(( في الساعة الرابعة والنصف من يوم السبت المبارك الثالث عشر شهر صفر 1337 قررت الأمة الطرابلسية تتويج استقلالها بإعلان حكومتها الجمهورية باتفاق آراء علمائها الأجلاء، وأشرافها وأعيانها ورؤساء المجاهدين المحترمين الذين اجتمعوا من كل أنحاء البلاد، وقد تم انتخاب مجلس الشورى الطرابلسي، وانتخب أعضاء مجلس الجمهورية وافتتح أعماله بتبليغ إعلان الجمهورية إلى الدول الكبرى والدولة الإيطالية.
إن الأمة الطرابلسية تعتبر نفسها حائزة لاستقلالها الذي اكتسبته بدماء أبنائها وقوتها منذ سبع سنين، وسعيدة بالوصول إلى هذه الغاية التي هي أشرف ما تصل إليه الأمم وتهنئ أبنائها بتمام نجاحها واتحادهم على التبات التام في الدفاع عن وطنهم وحكومتهم الجمهورية الجديدة ... والتوفيق بيد الله تعالى وحده.
13 صفر 1337
توقيع : سليمان الباروني – رمضان اشتيوي – أحمد المريض – عبدالنبي بلخير ))
وهذا البلاغ وما تلاه من بلاغات وطنية جاءت كالزلزال على قادة إيطاليا في روما، وبهذه المواقف الثابتة للقوى الوطنية التي لم تتزعزع قيد أنملة عن مبادئها، قد سجلت للتاريخ سابقة سياسية وتاريخية على مستوى الوطن العربي.
ابتهج الليبيون وكتبوا ما يباهون به الأمم واعتبروا هذا الحدث التاريخي نصرا يعبر عن مشاعرهم الوطنية الممزوجة بحب هواء الوطن والمقترن بهوى الدفاع عنه حتى النصر أو الاستشهاد.
واعتبر الجنرال جريتسياني - الذي دنست أقدامه أرض الوطن – خيبة أمله كبيرة في تحقيق ما قتل في سبيله جنوده طمعا في خيرات ليبيا فكانت جثتهم نهبا للغربان والكلاب والثعابين والذئاب.
إن هذا النصر جزء من تاريخ كفاح أمتنا الذي دفعت ضريبته الدم والهم، فالتاريخ أمانة وحقيقة